شريفة بنت راشد القطيطية
أتت إلي الخمسة عشر ربيعا تتوسد أضلعي، أتت وكل تنهيدة خُلقت وجدت تلك اللحظة كمن أسفرت معاركه بخسائر فادحة، وأُلجم فرسه الشامخ بجرح بليغ، لم يكن الاستيطان مجديا لقد أراد الفزع وأراد الثورة، تحملت راياته كل السهام ومُزقت خرائط أفكاره وتعدى مراحل النبض وتولى قيادة الهيجان، وباتت صحوة العقل مثمرة عن استياء منقطع النظير، فأعددت له ملايين الخفقات لتبني له جسورا ليعبر الأعاصير ويخلد بسلام في كهف ٱمن حتى الفجر.
لم يكن لليل سلطة عليه، ولن يهدأ قبل مبيت دمائه في ربيع ساحر بأشجار الكرز وفراشات الألوان السبعة، لم تكن أمزجته بخير ليمثل أمامي كضرغام مجروح يعطي الأولوية للصراحة ويقاتل بشراسة وينطق عن ألم، أسير نفسه يلومها ويسامحها في ذات الوقت، لم تكن لديه دفاعات وتروس وكان عبوسا وأتى بلوح البلاغة مكتوبا عليه كل دروس اللغة العربية وأصول الدين، كان يريد الانتصار ويقاتل وهو يحتضر الأنفاس ويطرد الدموع ويعد لنفسه درعا قويا من بسالة وشيم الفاتحين العالقين في الأذهان.
لنقاط ضعفه أصالة تعدت الآفاق، وآه لا تطاق، ومشارف العبق على الوتين متين، استمر لساعات يقطف ثماره، وبيني وبينه بيان ليل وصحوة غلس، وانهيار يمزق ساحة حرب وغفران رب يرانا حين اشتد الكرب، تحولت جفون بدري المنير لسير من حطام وعادت الأنفاس تهدأ وتشق الظلام، وأطلقت سماء خفقي ليبهَج فيها البدر وتحط حمامة روحه بسلام.
ظل ينزف أسى وبكى حتى تغيرت ملامحه، وتعددت خيباته. وكان يرهق جيشا من الدموع بأمر قائد محنك، يبذل أقصى جهد ليفوز في مراسم العوم قبل دقيقة من أخذ فتات الأذهان وتعمير الأكفة بالدعاء، يطرق منازل اخرى ويتناسى قلبي الذي حدد له الهدف وبقي عليه التصويب، تجاهل تماما من أكون وعذب الصيف بي وقص عليه أَمسيتي التي كانت لا تغادر قبل تقبيل جبهتي، كان مورد الخدين رغم صراعات خامدة تعدت الواحدة ليلا، وكان تقبيلهما ألذ من مطر الصيف وأكثر اشتهاء من فاكهة استوائية نضجت وبان شهدها، هنا البدر حين ينبض يتحرك معهه الكون ويطلب منه توقيعا للذكرى.
كان يبتسم ويصفق، وتتعدى روحه الحلقوم ويشهق، كان لا بد أن أنتزع هيجان روحه وأستبدل به غابة فستق، ونظل نقطف منها حتى الصباح، تمرن كثيرا على النطق وجاء لقلبي طالبا وميض الحنان وكف غفران وبعض قطرات ماء، هكذا من أصنعهم في جوفي رجالا أشداء وعوامل تعرية تلعب في الطبيعة بقسوة ولطف، وتهدأ العاصفة الهوجاء مخلفة وراءها سيلا من الجروح وبعض سطوح تعرضت للسيوف، كل شيء يهدأ حين ينبض ويترك توقيعا جميلا بلغة النبضات.
