المخيم العُماني في مِنى
هلال بن حميد المقبالي
h.h.s.muq@gmail.com
في هذه الأيام القليلة الماضية، كثُر الحديث عن المخيم العُماني في مِنى، ومأساة الحُجّاج العمانيين في هذا المخيم.
ولله الحمد والمنّة، كنتُ من حجاح بيت الله الحرام هذا الموسم 1444هجري.
نحمد الله على أداء المناسك ونسأله القبول؛ وكنت في قلب الحدث كما يقال.
بخصوص ما يتناقل من أحاديث حول المخيم، فأغلبه صحيح ولا أحد يقول غير ذلك، ولكن تبقى مسألة القناعة والرضى لدى العمانيين هي الأسمى، فمِن قناعتهم أنهم يرضون بأقلّ الخدمات، ويشكرون الله على ذلك؛ ولكن تبقى مسألة ضعف التجهيزات في المخيم حقيقة وأمر واقع. فالمخيم ليس بتلك الجاهزية، فهناك خيام لم تصلها الكهرباء، ودورات مياه بدون ماء، ولقد سألْنا البعض ممن سبقونا في أداء المناسك عن هذا الوضع ومنذ متى؟ فقال بعضهم أنه منذ موسم حج ٢٠٠٩م، والبعض الآخر يقول أنه بموسم حج ٢٠١٤ م، والجميع أجمع أن المشاكل التي لمسناها كما هي في كل موسم حج، والمخيم كما هو لم يتغير فيه سوى تغيير بسيط في أرضية دورات المياه، ورشاشات الاستحمام وإضافة مكيفات للمخيم، وهذا يعتبر تطور نوعاً ما، ولكن هل هذا يفي بالغرض المنشود منه؟ وهل روعي فيه راحة الحجاج بعد أداء مناسكهم، علماً أن أكثر أيام الحجاج يمكثون في المخيم، وهي الأيام الأكثر تعباً وإرهاقاً، فجميع المناسك تؤدّى و نحن نسكن في هذا المخيم، فمن هذا المخيم نخرج إلى عرفة وإليه نعود بعد طواف الإفاضة، ومنه نخرج لرمي الجمرات، وإليه نعود من رمي الجمرات، فكل هذه المناسك تؤدّى مشياً على الأقدام، إلا الذهاب إلى عرفة والنفور إلى مزدلفة بالحافلات، وتنزلنا بعيداً عن الموقع بمسافة تزيد عن الكيلو متر.
وفي كل المناسك تجد الازدحام، والاحتكاك بالأشخاص الآخرين، ناهيك عن حرارة الجو والرطوبة وتعرّق الجسم، وعند العودة للمخيم تجد الطوابير على دورات المياه، ولو أنها أقل مما تكون عليه أوقات الصلوات، وكذلك لا توجد حتى أماكن كافية للوضوء، فدورات المياه دورها قضاء الحاجة (الخلاء)، والاستحمام، والوضوء، لذلك يدخل الحاج ويأخذ وقتاً في ذلك، ناهيك عن الازدحام في المخيم، وحرارة الأجواء ورائحة التعرق وغيرها من الأمور الناتجة عن الزحام، حتى أنك لا تجد متّسعاً للجلوس عند مدّ الأسرّة والتي هي اثنان في واحد كرسي وسرير، وعندما نريد الصلاة نضطر لرفع هذه الكراسي فوق بعضها البعض ليتسع المكان للصلاة، وبعدها نعاود إنزالها؛ وهكذا في كل الأوقات الخمس للصلاة، وأوقات الوجبات.
ومن المفارقات أنني خرجت متأخراً ذات يوم من الخيمة والتي هي قريبة من دورات المياه في حدود الساعة الثالثة والربع فجراً لأجد الطوابير على دورة المياه في أربعة مسارات، وفي كل مسار لا يقل عن خمسين حاجّاً، حتى أنني حينها خرجت من المخيم العماني وذهبت إلى إحدى المخيمات القريبة منّا، وكانت خاصّة بحجّاج إحدى الدول الآسوية، وبإلحاحي الكبير مع حراس ذاك المخيم أدخلوني ورافقني أحدهم إلى دورات المياه كدليل، وأيضاً خوفاً من المشاكل، وهنا تفاجأتُ بعدم وجود ازدحام، وكذلك يوجد فيها ما يكفي من أماكن الوضوء و بمساحة أوسع، حتى أن الشخص يأخذ راحته في الوضوء.
وهنا نتساءل:
لماذا دورات المياه لديهم أفضل ولو بقليل عن دورات مياه مخيمنا؟
ومن المواقف التي تُذكر في الخيمة التي سكنتها، أن المكيف لا يعمل، رغم أنه جديد؛ والسبب في ذلك أنه لم يتم توصيله بالكهرباء، وتم البلاغ عنه منذ الثامن من ذي الحجة، حتى خرَجنا من المخيم في الحادي عشر من ذي الحجة؛ أربعة أيام ونحن نعيش في جوٍّ حارّ، ولم يتم إصلاحه رغم بساطة الأمر (فقط توصيل السلك الكهربائي للمكيف بصندوق الكهرباء) ومندوبي بعثة الحج العمانية كل يوم نبلغهم ويمرّون علينا وردّهم هذا فيه بلاغ وسوف يتم إصلاحه؛ متى؟ لا أدري لعله في موسم الحج القادم.
وعندما نكلّم ونناقش صاحب الحمله عن وضع المخيم يقول: ناقشوني وحاسبوني على السكن والتغذية في المدينة ومكة، أما المخيم فمسؤليته تعود للبعثة العمانية، ويضيف:
تعبنا من المناقشة وتسجيل الملاحظات سنوياً، قبل وبعد كل موسم حجّ، والوعود موجوده، ولكن الوضع كما ترون؛ رغم أننا ندفع مبالغ كبيرة عن كل حاج.
وهنا الجميع يتساءل:
لماذا نحن دائماً دون المستوى المطلوب في هذا المخيم؟ هل بسبب صعف الموارد المالية؟ أم بسبب ضعف الإدارة في بعثة الحج العمانية؟
أم أن هذه هي منهجية وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العمانية، وهيئة الحج السعودية؟
مهما كان السبب، فكل الأمور لها حلول.
إذا كان السبب الوضع المالي فالحلّ يكمن في:
1.دعم الحكومة لبعثة الحج بمبلغ مالي لتطوير المخيم.
2. زيادة مبلغ رحلة الحج عن كل حاج.
أما إذا كان من الإدارة فالحلّ يكمن في:
1. محاسبة الإدارة إذا قصّرت بعد كل موسم حج وحتى معاقبتهم إدارياً وقانونياً.
2. إلزام الإدارة بدفع غرامات مالية بسبب تقصيرها، عبرةً لغيرهم.
فمن أمِن العقاب أساء الأدب.
أما إذا كانت منهجية وسياسة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية العمانبة، وهيئة الحج السعودية، فنكتفي بقول:
لا حول ولا قوة إلا بالله.
من وجهة نظري، لو التفتَ القائمون على هذه المخيمات سواء من الجانب العماني أو الجانب السعودي، أو كليهما، وتم التفكير بحلٍّ لهذه المشكلات، لوُجدت عدة حلول وبسهولة تنفذها منها:
1. توسعة مساحة المخيم وإضافة خيام أو إضافة طابق علوي.
2. زيادة دورات المياه أو إضافة طابق علوي لدورات المياه، أو توفير دورات مياه متنقلة (كرفانات) تُستخدم لموسم الحج.
3. إذا تعذّر توسعة المخيم فما المانع من نقله لموقع أفضل وأوسع؟
لا نعرف لماذا هذا الفتور في حلحلة مثل هذه العقبات البسيطة، رغم وجود الحلول. وهل نحن ملزمون بهذا المخيم تحديداً؟ نفس المكان ونفس المساحة مع تزايد أعداد الححاج؟
تظل تساؤلات قائمة.
نعم الحج عبادة وليس ترفيه وسياحة، ولكن، ألا تحتاج هذه العبادة إلى راحة نفسية وجسدية لأدائها؟ إذا كان الحاج لا يجد أقل سُبل الراحة، فكيف سيكون أداؤه للمناسك؟