هلالنا لن يأفل، سيظلّ يبشّرنا بالضياء
سميحة الحوسنية
تخنجر المجد، وتنكّب بندقيته، فكان شخصاً مهيباً مختلفاً ومتفرّداً، منذ طفولته لم يسابق الريح كأطفال بلدته، بل كان يستظلّ تحت شجرة الرجولة السامقة، ليبدأ مرحلة جديدة في حياته برفقة والده الشيخ الرمز الراحل سلطان بن سيف الحوسني، الذي تعلّم على يديه الكثير من الناس، فكان ظله الذي يرافقه في المجالس والمواقف، ليسجل حضوره ويشرب من كأس الخبرات المتراكمة، ويصغي لأحاديث الرجولة في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد الأصيلة؛ فصقلته تلك المجالس وهي بمثابة مدرسة القيَم والأخلاق والشجاعة. لطالما عُرف عنه منذ صغره أنه كان يتّسم بصفات أهّلته لأن يكون هلالاً يضيء الدروب الحالكة بحكمته وسرعة البديهة التي يتميز بها، ورؤيته الثاقبة للأمور، إذ جعلت منه شخصية فذّة يتحلّق حولها أبناء القبيلة وولايته برمّتها، فكان من مشايخ التمائم الذين يُشار إليهم بالبَنان، فمسيرته الماجدة المثمرة في حياته منذ العهد السعيدي إلى إشراقة النهضة المباركة محطات مزهرة.
وقد تقلّد الكثير من المناصب القيادية والإدارية بالسلطنة، فكان مثالاً يحتذى به في الأخلاق والإخلاص والكفاءة والحكمة في اتخاذ القرارات المهمة التي تخدم البلاد، فكانت سنوات غيث جادت بها مُزن الخير بالعطاء من أجل هذا الوطن الغالي.
فكم كانت الرحلة صعبة، والمسؤوليات جسيمة، ولكنها ليست بالمستحيلة لرجل تعمّم بالمجد وتحزّم بالشجاعة، ورسم ملامح المستقبل مع سلطاننا الراحل، فكان قبساً يتوهّج، وشعلة نور في زمن كان الظلام دامس لا يُرى فيه من ملامح الليل إلا هلاله. وعندما طالته براثين المرض كان لطيفاً كريماً، وبالجود معروفاً؛ فرائحة القهوة في سبلته تعبق بالهيل والزعفران، تمتزج مع طِيب أنفاسه قبل أن تصبّ في فناجين قهوته.
كانت نظراته ترحّب وتُكرم زوّاره، وابتسامته المعهودة، وقد عجزت الكلمات أن تخرج للمسامع، فكان صمت الكلام وحوار العين، لتبقى هيبة حضوره في سبلته لغزاً لأولي الألباب، وتاريخاً خالداً يعطر مجلسه، فهو المثقف المحنّك، والقائد المؤتمن، والرجل الذي يُعتمد عليه وقت الشدائد والمِحن.
ومنذ أيام غادرتنا روحه الطاهرة، لتخيّم فصول من الحزن، ثكلى يلتهب في جوفها قيظ خابورتي التي توشّحت بسواد حدادها، وهي تنعي ابنها الراحل، مصنع الرجال، ومنبع الحكمة.
لطالما كانت عمامته سرّ حكايةٍ مهيبة لقمّة جبل شامخ، ورجل عظيم أنجبته ولاية عريقة.
تبقى فصول الرحيل مؤلمة، ومحطّات لا بدّ منها في الحياة.
وقف قطار العمر في آخر محطاته، ليترجّل الفارس عن صهوة جواده، لتأنس روح هلالنا الذي لن يأفل في سمائنا برفقة الأحبة، وتتعطر بلقائهم، فكان صمت الأحاديث وحرارة شوق اللقاء.
نستمطر شآبيب الرحمة على روحه الطاهرة، وندعو له بالمغفرة، وأن يكون مأواه جنات الخلود.
وداعاً أيها الشيخ الجليل هلال بن سلطان الحوسني، ولروحك السلام.