أصوات ترن في أذني ..
ناصر بن خميس الربيعي
تمرُّ بالإنسان لحظاتٌ يُحسّ فيها بالحنين إلى مواطن الطفولة، فيُلبّي النداء قاصداً تلك الربوع الخالية، مستعيداً فيها شريط طفولته الحالمة في المستقبل.
شعور غريب داهم أفكاري، وأنا أضع رأسي على السرير؛ لأبحر بعدها في أمواج متلاطمة، لم تهدأ إلا بسماع صوت أذان الفجر، ياله من صوت ! وكأنني أسمع الأذان لأول مرة، قفزت من السرير وتوضأت بعدها توجهت للمسجد، انتهى الإمام من أداء الصلاة، وعلى غير العادة.
قدمي تنجذب نحو الضواحي – المزارع الصغيرة في القرية – تنقلني من سكة إلى أخرى، وكأنني ظلّ يسير فوق الأرض لا أكاد أسمع إلا أصوات العصافير وهي تستعد لتكمل مسيرة حياتها وفجأة تنغمس قدمي في حفرة من الطين نزعتها غير مكترثٍ ببقايا الطين على خذائي.
أكملت طريقي بين الجنان التي هجرها أهلها حتى شارفت على الهلاك بل أن بعضها هلك، أبحرتُ بفكري إلى الزمن الماضي عندما كنا نملأ هذه الطرقات بصراخنا بين النخيل بحثاً عن رفاقنا ونحن نمارس مهمتنا في جمع المتساقط من ثمر النخيل.
كانت أسوارها زاهيةً مثل قلوبنا، أمّا اليوم فقد استبدلتْ طينها اسمنتاً كتم على مشاعرنا لتصبح كالصوان، رفعت رأسي فوق سور أحد الضواحي عَلّني أجد بعض الرفاق القدامى، ولكن دون جدوى فقد تفرق الصحاب وألهتهم الحياة في معاركها.
وأخيراً أحسست بخدرٍ في قدمي فجلست على جذع أسقطته معارك الحياة لتبقيه طريحاً متوسداً الأرض يتفتتُ كلما لمسه شيء هكذا هي الدنيا تُبقي أثراً في نفوس البشر.