قصة: كالمستجير من الرمضاء بالنار
وضحة بنت سيف الهديفية
يُضْرَب هذا المَثل فيمن يعدل عن رأي فيه مشقّة أو خطر، لرأي آخر يظنه آمنا وأهون، ولكنه يكتشف أنه أكثر خطورة ومشقة من سابقه. ولهذا المثل عدة أقاويل، أشهرها قصة وقعت مع كُليب بن وائل وعمرو بن الحارث.
قصة المثل:
في قبيلة عريقة من قبائل العرب القديمة، كانت تسمّى ربيعة، كان هناك رجل يُدعى (كُليب بن ربيعة)، خرج ذات يوم تحت ستر الليل، فتبعه رجل من أبناء قبيلته يُدعى (جسّاسا)، ويُقال إنه ابن عمه، بغرض التخلّص منه وقتله لسبب ما في نفس يعقوب، أغفلته كتب التاريخ التي تناولت تلك الواقعة.
ويُحكى أن جساساً هذا غافَل كليباً وطعنه بخنجر مسموم طعنة غير قاتلة، ثمّ فرّ وتركه خلفه يصارع الألم والموت في طريق مُقفر وليلٍ موحش، وظل كليب على هذه الحال حتى بزغت شمس الصباح، ومرّ به عربيّ آخر يُدعى عمرا.
كان كليب يعرفه حق المعرفة، فهو رجل من أهله وعشيرته، حينما رآه كليب أحسّ باقتراب الفرج والنجاة، فاستجار به كي ينقذه مما هو فيه، ليعطيه شربة ماء يبلّ بها جوفه وتعينه على الحياة، لكن حدث ما لم يتوقعه كليب، حيث باغته عمرو بخسّة ونذالة، وأجهز عليه بدلاً من أن يجيره من كربه أو يسقيه حتى شربة ماء، ومن هنا قال العرب وما زالت تقول:
المستجير بعَمرٍو عند كُربته كالمستجير من الرمضاء بالنار.
ويقصد بالمستجير طالب العون والنجدة، أما الكربة فهي المحنة والأزمة، والرمضاء من الرمض، وهو التراب الحارّ، أو الحصى الملتهب من شدة الاشتعال، ولهذا البيت دلالة شديدة على الخسّة والبُغض الشديد.