الجنز ونضد التمر شاهد على عراقة الموروث
سعيد بن خميس الهنداسي
في السبعينات أذكر إن جدي الحاج/عبيد بن حماد _رحمة الله عليه _كان لديه جنز يقع خلف الحارة بمنطقة الخويرات وهو عبارة عن غرفة متوسطة الحجم مبنية من الطين بها باب قوي ومغلقة بأحكام ليس بها فتحات تهوية ومظلمه يخزن فيها محصول التمر المستخلص من نخيل أم السلى وبعض الخرايف.
وكعادة أهل عمان بشكل عام بعد نهاية موسم القيظ ، يخزن حصاد التمور بطريقة محكمة بوضع الجراب فوق الجراب أي صفها فوق بعضها البعض، بهدف توفير ضغط كبير على التمر لتزيد من حرارته ويسيل جريان عسل الدبس بعملية ضغط الجراب الممتلئ والثقيل، والذي يتراوح وزنه بين أربعين إلى خمسين كيلو جراما .
وبفعل حرارة فصل الصيف والمكان والثقل يخرج سائل التمر “الدبس” إلى قنوات المجرى الموجودة في الأرضية ثم يصب في النهاية في الوعاء المخصص له والمصنوع من الفخار، وقد يستغرق النضد عدة أسابيع أو أشهر.
وأذكر أن جدي كان يخرج لأرحامه وللمحتاجين من العسل ومن التمر عملا بقوله سبحانه وتعالى: “وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأنعام:١٤٤)
وكانوا يأكلون من ثمر النخيل أي التمر والعسل ويأتون حقه يوم حصادة بالزكاة منه ليبارك الله لهم فيما رزقهم, وكلما أكلوا من التمر وتم القضاء على الجراب تم إخراج غيره من المخزون، وكلما احتاجت الأسرة إلى العسل تم تعبئة وعاء وتم الأخذ من المخزون حتى فصل القيظ من العام الذي يليه، وهكذا تمضي الحياة بتخطيط عفوي وحسابات بعيدة عن الفوضى والعشوائية والتعقيد هدفهم توفير حياة كريمة للأسرة بالمجتمع.
مثل هذه الأفكار والتصرفات تثبتُ براعة الأجداد في ذلك الوقت وقد تكون هذه الأفكار سهلة وبسيطة ولكنها تعتبر اليوم شاهدا على عراقة الموروث وذات أهمية كبيرة باعتبارها تمثل جانبا من هوية وثقافة مجتمعنا بالسلطنة بشكل عام.