المدرسة…حياة في الردة “عاقل” و “جنون”
د. محمد بن أحمد البرواني
alnigim@gmail.com
ما كان لي أن أتخيّل يوماً ما بأنني لن أستطيع أن أخطو خطوات، بينما أنا أعدوا بعدما أن أشبع رجلي من ماء الشريعة منتعلاً الأرض جرياً إلى “جنون” في جو لافح شديد الحرارة، ولم أكن أدرك في ذلك الوقت “جنون” -البستان- بقصصها وحكاياتها وأقوال الشعراء فيها نبط لقول سلطان بن مالك في وصف فرحة لناصر بن منصور البرواني حفيد صاحب البستان حيث قال:
“مكلوفة ما تكلّت ع العمّ
ولا كرزمة تحرص خلال يلمِّ
من صغرها بعدها حوار دمّ
تطعم خلاص من جنون يضّم”، وفصيح لشاعر البيان محمد بن شيخان السالمي في السؤال عن علي بن مسعود البرواني صاحب البستان أثناء زيارته وفيه يقول:
“جئت بالرّدة صبحاً سائلا
عن ابن مسعود الأجل
قيل لي في ماله يسعى جنوناً
كيف يسعى في جنونٍ من عقل”
أن هذه البستان أقيمت بسواعد كريمة أكرمت وكرّمت وأنفقت مما أعطاها الله تعالى من خيرات سواء من وراء جدار حتى لا يُرى المُعطى أو من أخذ ما جادت به من خيرات ليُوضع على جدار بيوت المتعففين ليلاً، وكم من مسافرٍ أوى إليها، وكم من عامل سعى نحوها طالباً للرزق والكفاف، في وقت تندرُ فيه الوظائف الحكومية في ذلك الزمان، وكم من صدقات أنفقت من نتاج ثمار بستان “المكان” في المضيبي، وثمارها للعامة والخاصة؛ ومنها ألف قرش للإمام محمد بن عبدالله الخليلي الذي طلبها على سبيل القرض فوهبت صدقة كما ذكر ذلك السيفي في تغريدته؛ ومع أصوات منصور “خبّ أخويه بتوكلك الرمضاء”؛ أي أركض بسرعة ستحرقك الشمس لنصل إلى “جنون” .
فبعد عبور خمسمائة مترا من الشريعة نتنفس الصعداء لنستمتع بعد راحة بمناظر “جنون” الخلابة، وأشجارها الوارفة، ونخيلها المتنوعة، والمياه الرقراقة التي تنساب في سواقيها بكلّ صفاء وهدوء؛ لم يكن في خلدي أنّ البستان المُقابل له “العاقل” الذي سمي ليكون متعاكسا مع “جنون” وأنّ خال (عليّ) سالم بن راشد البرواني هو من أقامه، – وكذلك أقام فلج الردة وأحضر له مدفع من الهند في يوم جريانه أو تسييحه -(كتاب المنزفة) وأسماه بهذا الاسم قائلاً لإبن أخته إن كنت سميت بستانك “جنوناً” فأنا سأسميه “عاقلاً”، وبقيت هذه المسميات “جنون” “والعاقل” على الرغم من أن “العاقل” أصبحت من أملاك سعود بن أحمد الشيذاني، ومن بعده أولاده الذين احتفظوا بالإسم إلى يومنا.