رحلة أوروبية .. ” ميلانو والبندقية “
سعيد بن خميس الهنداسي
وصلنا قبل منتصف الليل بقليل لمطار ليناتي بميلانو، وهذا المطار يعد واحدًا من المطارات الكثيرة بهذه المنطقة؛ وهنا تدخل جولتنا اليوم الثالث بإيطاليا، استلمنا الحقائب من المكان المخصص لاستلام الأمتعة بمبنى القادمون للرحلات الداخلية، بينما البعض أخذ يبحث عن مكتب لاستئجار سيارة تناسبنا من الشركات الموجودة بالمطار، وقد توفقنا باستئجار مرسيدس ستيشن لمدة أربعة أيام تتسع لنا ولحقائبنا، بعدها ضبطنا جوجل على موقع السكن المستأجر عبر النت بمنطقة سيستو كاليندي التي تقع بمقاطعة فاريزي بشمال إيطاليا والتي تبعد أقل من ساعة من المطار، وهذه المنطقة تتمتع بمنتزهات مائية وآثار تاريخية وطرق للتجول وأماكن للاستجمام بعيدة عن صخب المدينة, وتتمتع بمطاعم متنوعة تقدم أشهى الأطعمة والمنطقة بطبيعتها هادئة، ومن خلال التواصل مع المؤجر تم الوصول للمبنى، دخلنا ثم صلينا الفجر واسترحنا إلى قبل الظهيرة.
وبعد الغداء تجولنا بالمنطقة والمناطق القريبة، والتقطنا بعض الصور الجميلة بالأحياء السكنية التي تتمتع بفن العمارة الأوروبية، وبين سككها الضيقة المرصوفة بالحصى وعلى ضفاف البحيرات وفي المقاهي الجميلة ولم نفوت فرصة شراء فواكه إيطاليا اللذيذة ذات الجودة العالية, بعد ذلك توجهنا لوسط مدينة ميلانو، والسياحة بها شيء مختلف؛ فهي حياة في عالم الحركة والعمل والصخب والضجيج، وتتميز بغناها بالأماكن السياحية والأثرية والحضارة المعمارية الأوروبية, وتعد من أجمل مدن إيطاليا وتستقطب العديد من السياح حول العالم، وهي ثاني أكبر مدن إيطاليا بعد العاصمة روما. تضم المدينة العديد من الوجهات السياحية ومنها المثيرة للاهتمام؛ فأينما توجهت في مدينة ميلان سترى جوانب جميلة تجعل من زيارتك تجربة ممتعة ومثيرة.
ولم نفوت فرصة تواجدنا بهذه المدينة التي تحتضن بين جنباتها أجمل وأشهر الملاعب الأوروبية والعالم؛ فانطلقنا لملعب ميلان المعروف باسم ملعب “سان سيرو” والذي يعتبر من معالم ميلان السياحية الهامة، وأكثر أماكن السياحة في إيطاليا شهرةً وزيارة، وللملعب مسميات كثيرة، ويتسع لأكثر من ثمانين ألف مشجع، مما يجعله أحد أكبر ملاعب أوروبا والأكبر على الإطلاق في إيطاليا وقد قارب على بناءه مائة عام تقريبا، وشهد نهائيات كأس العالم لعام ١٩٩٠م، وأربع نهائيات أوروبية وإلى جانب كرة القدم. يُستخدم الملعب للعديد من الفعاليات الأخرى الرياضية والفنية، بعدها قمنا بالتقاط الصور وشراء بعض الهدايا والقطع التذكارية، واشترينا قميص النادي وبعض المستلزمات الأخرى، وصادف وجودنا مباراة تشيلسي الإنجليزي مع ميلان الإيطالي يوم ١١ أكتوبر ٢٠٢٢م ضمن مباريات الجولة الرابعة من دور المجموعات لمسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، وحاولنا الدخول للمباراة ولكن لم نوفق في الحصول على التذاكر حيث كانت قد نفذت قبل يوم من المباراة.
وبعد قضاء وقت جميل بهذا الموقع الرياضي العالمي, استقلينا السيارة وحاولنا أن نتجول في وسط المدينة لبعض الوقت إلا أن الشوارع كانت مزدحمة جدا، ثم توجهنا إلى أحد المطاعم الإيطالية الشهيرة في إعداد البيتزا الإيطالية وأخذنا من مختلف أنواعها وتبعناها بشرب الكولا لتكتمل لذتها، بعدها رجعنا إلى السكن وكان الوقت متأخرًا، وكنا سعيدين بقضاء يومنا الثالث والجميل الذي سيضل في ذاكرتنا ولن ينسى.
في اليوم التالي بعد تناول الإفطار خرجنا من السكن في طريقنا لمدينة البندقية أو فنيسيا كما تحلو تسميتها للبعض، سمعنا الكثير عن جماليات السياحة في البندقية والكثير من الحكايات وأنها مكان مفضل لإنتاج الأفلام السينمائية العالمية، وقد قيل فيها الكثير من القصائد الشعرية وقرأنا في كتب الدراسة عنها وسمعنا عشرات الأغاني التي تجسد الحب والغرام والهيام في فيافيها فما هي حقيقتها؟!
قطعنا مسافة ساعتين تقريبًا، وقبل وصولنا وقفنا في استراحة جميلة كسرنا فيها روتين السير وتزودنا بما احتجناه من أكل وشرب وأكملنا المسير، ومن بعيد طالعتنا جزيرة فينيسيا والتي يتم الوصول إليها عبر العبارات والقوارب وجسر ضخم مهيئ للسيارات والقطارات, ثم قطعنا الجسر ودخلنا ساحة مواقف البندقية وسط زحمة السيارات الحافلات السياحية والقطارات والأعداد البشرية الهائلة من السياح، وكان علينا أن نحجز موقف للمدة التي سنقضيها فحجزنا لعدة ساعات.
فالمدينة العائمة قد تأسرك لعالم تعيشه بين الأحلام والواقع، فتأخذك بسحر طبيعتها ومكوناتها وجمال أبنيتها وألوانها، وضيق شوارعها وقنواتها الرائعة، فهي تعد من أجمل مدن إيطاليا على الإطلاق لخصوصية ما تحتويه من جماليات وتفاصيل قريبة من الخيال، ولاكتشاف هذه المدينة والأماكن السياحية فيها كان علينا أن نترجل سيراً على الأقدام لاكتشاف أشهر معالمها التاريخية والسياحية التي جعلت منها وجهة مميزة للسياح القادمين من مختلف أنحاء العالم، طالعنا بدايتاً القنال الكبير، فنحن الآن أمام أهم الأنشطة التي ستوفر التعرف على جمال مدينة البندقية وهي التجربة الأروع, تجربة ركوب الجندول، والجندول عبارة عن قارب مخصص للسواح يؤجر للطواف على كل أنحاء المدنية، وقائده دليل ماهر يشرح على طول الرحلة شرحاً وافياً عن المدينة وتاريخها وآثارها والمشاهد التي يمر بها، حيث قال فيه الشاعر:
أين من عيني هاتيك المجال … يا عروس البحر يا حلم الخيال
أين عشاقك سمار الليالي … أين من واديك يا مهد الجمال
موكب الغيد وعيد الكرنفال …وسرى الجندول في عرض القتال
على العموم، الخيارات كثيرة فيمكن قطع تذاكر الحافلة البحرية أو استئجار القارب من بداية القناة والتجول فيها، تستغرق الرحلة حوالي ساعة ونصف تعرفنا من خلالها على أجمل أماكن السياحة في فينيسيا، فالقناة الكبيرة تشكل أحد الممرات المائية الرئيسة في مدينة البندقية، وتؤدي نهايتها إلى بحيرة البندقية والتي تقع بالقرب من إحدى المحطات لسكة الحديد، وتمتد القناة لحوالي أربعة كيلومتر وبعرض يتفاوت يضيق ويتسع لعشرات الأمتار, ويمكن مشاهدة المباني المحاذية على ضفتي القناة ومشاهدة الجسور الأربعة، وأقدمها هو جسر ريالتو والذي تم تشييده في القرن السادس عشر، وله ثلاثة مسارات؛ إثنان يطلان على القناة والأخير يقع في الوسط ويطل على المتاجر، ويعتبر الجسر من أهم الأماكن السياحية في فينيسيا.
تعتبر الحركة فيها- فينيسيا- داخل الماء، وليس فيها سيارات ولا طرق مرور ولا زحمة سير؛ فهي تتكون من مائة وعشرين جزيرة صغيرة ربطت بحوالي أربعمائة وخمسين جسر لتسهيل حركة المشاة داخل المدينة، وناقل الأجرة فيها مركب لونه أصفر، وقوارب أخرى متعددة الألوان، والحافلة هي قارب يتسع لعدد كبير من الناس، كما أن هناك نوعيات أخرى مخصصة لشركات السياحة ومجموعاتها حيث تطوف بهم في أرجاء المدينة وتحملهم إلى الجزر البعيدة.
فكل مكونات المكان بما فيها البشر والماء والأرض والسماء والجمال والشعر والفن والمباني والجسور والقوارب والأزقة والشوارع، وكل تلك المفردات تبدو وكأنها هاربة من لوحة تشكيلية، بينما ضجة المارة تُشبه قطعة موسيقية لعازف عالمي.
فماذا يحتاج الشعراء أكثر ليعيشوا تجربتهم؟! وماذا يحتاج المحبون أكثر من مدن ترسم حكاياتهم في كل شارع؟!؛ فالقلوب تنبض دهشة في كل زواياها، وتستطيع التنقل مع من تحب بقارب صغير، والاستمتاع بكل زاوية من هذه المدينة العائمة المذهلة. نعم، فهنا تم إنتاج العديد من الأفلام السينمائية، وهنا كتبت الكثير من الأعمال الشعرية والأدبية والفنية.
ومع أننا قضينا وقت قصير بهذا المكان, إلا أن صورنا التذكارية بها وبمواقعها الساحرة الخلابة ومناظرها الطبيعية وقنواتها الرشيقة، واثارها وشواهدها ستضل خالدة في ذاكرتنا على أمل أن تكرر الزيارات لها، مختتمين هنا يومنا الرابع والذي يعد من أجمل أيامنا السياحية بإيطاليا.