2024
Adsense
مقالات صحفية

المدرسة …حياة رمضان شهر التغيير

 د. محمد بن أحمد البرواني
‏alnigim@gmail.com

يقول ربنا عز وجل في محكم كتابه الكريم: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}- [الرعد: من آية 11].
وهي سنة من سنن التغيير فلا يمكن إحداث تغيير دون أن يلتزم الفرد منا ويحرص على ممارسة القيم والعادات والتقاليد السليمة، والتي عمل الإسلام على تغييرها عند أفراد المجتمع، واستجاب لها كلّ من دخل الإسلام وترك الوثنية، واستقامت له الحياة الحقّة السليمة التي أرادها الله -عز وجل- لعباده، وعلى العكس تماماً فإنّ ابتعاد بني إسرائيل عن ذلك؛ على الرغم مما نالوه من خيرات وما رأوه من معجزات إلا أنهم أصروا على عدم التغيير، واستسلموا لهوى النفس؛ فحُرموا من خيرات الله تعالى وأنعمه، وتاهوا في الأرض.

إن التغيير سمة إنسانية فطرها الله في عباده طالما بقيت الحياة الدنيا فمن لا يتغير يتقادم ومن لا يضيف الجديد يظل متهالكا؛ والجديد في خدمة البشرية هو الجديد الإيجابي المفيد النافع الميّسر الملتزم بوحدانية الله والسائر وفق عقيدته وما ابتغاه لخلقه؛ وليس كمن قال وجحد في كتابه: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}- [الزخرف: من آية 23].

ففي رمضان تفاعلنا مع تغيّر جذري في حياتنا اليومية بشكل جمعي؛ فتوجهنا إلى صلوات الجماعة، والتزمنا بصلاة القيام، وصار لنا ورد قرآني يومي، ومجموعة من العادات المختلفة سواء غذائية أم أسرية، وما بعد رمضان سنواجه عملية التغيير بصورة فردية؛ فكما يقال “أنّ الفوز بالمركز الأول سهل، ولكن المحافظة عليه الأصعب”؛ لهذا فإنه من الأولى أن يعمل الإنسان على الاستمرارية في العطاء والمحافظة على نفس الرتم، وإن لم يتوفر ذلك فالاستمرار بعادتين أو ثلاث والعمل على الإضافة كلما تعمقت في نفسه العادات التي عمل بها وصارت من الأمور التي يعمل على تذكرها ويحرص على أدائها، ويمكن للإنسان الاستفادة من تقنيات التغيير لتغيير عاداته غير المرغوبة إلى مرغوبة؛ فمن تقنيات التغيير النظر في العواقب، فعواقب البعد عن التغيير والتمسك بهوى النفس ووسوسة الشيطان مآلاته الدمار؛ فالذي لا يغير من نفسه ويترك الربا؛ فليأذن بحرب من الله ورسوله؛ ومن لم يتغير عن بخله فله عذاب أليم، ومن تغيّر فهو مفلح فائز، وكلّ ذلك مقترن بإدراك الفرد للمستقبل وتبّصره لنفسه ورغبته في تحسين حياته للأفضل وعقله ميزانه.

ومن تقنيات التغيير إشغال البدن دون تحديد زمن معين كأن نسبح أو نقرأ القرآن في أوقات قيادة السيارة أو ممارسة الرياضة، ومن تقنيات التغيير التدّرج؛ حيث نبدأ بالأقل حتى نصل الأكثر، ومن تقنيات التغيير اقتناء المعرفة فإن لم تستطع القراءة فتوجه إلى الاستماع؛ ومن تقنياته البدء بالأوجب المهم؛ ومشاركة الآخرين بالتغيير وذلك من خلال معرفة مكامن القوة والضعف في نفسك والعمل على تسجيلها وتعديلها وتعزيزها. يقول تعالى: {وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}- [ الذاريات21].

ومن تقنيات التغيير التدّبر في الأمثال القرآنية فهي من الوسائل الناجعة لعملية التغيير. يقول تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.[هود: آية 24]. كما أن استخدام المقاربة أداة من أدوات التغيير. {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.[البقرة: من آية 38]، وبين الآية {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}- [البقرة: آية 39].

وكلّ ذلك يتحقق بالإرادة واستمراريتها فيما بعد رمضان فتوفر الإرادة في رمضان في الحلال في الامتناع عن زوجة أو طعام، ونكبح جماح أنفسنا في ذلك؛ فلماذا لا نكبحها عما حرّم الله في غير رمضان، وكما يقول الشاعر أبو ذؤيب الهذلي:
والنّفسُ راغبة إذا رغبتها وإذا تّردُ إلى قليلٍ تقنعُ.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights