نحن الضيوف
يعقوب بن حميد المقبالي
تنتشر بيننا في المجتمع كلمة “ضيوف”، وهذه الكلمة تطلق على الإنسان بذاته وهو يعيش في هذه الدنيا الفانية، وكذلك تطلق بشكل آخر على الأشخاص أو المجموعات التي تقوم بزيارة أفراد أو جماعات من البشر.
كما يسمّون ويطلقون على شهر رمضان المبارك (ضيف)، نعم إنه ضيف، حيث أنه يأتينا في العام مرة واحدة فقط، وهنا لعلكم تشاطرونني الرأي أن شهر رمضان ليس بضيف؛ ولكنه يأتينا كل عام ما دامت الدنيا قائمة، ولكن أقول أنّ الضيف الحقيقي هو نحن فئة البشر، ولعلكم تتسائلون لماذا كاتب المقال صنّفنا وخصّنا بكلمة “ضيوف”!
كلنا نعلم أن لنا وقتاً محدداً من الزمن للعيش في هذه الحياة، سواء قلّ أو كثر، لا بدّ أننا سنغادر إلى مثوانا الأخير.
أمّا شهر رمضان فهو يأتينا في السنة مرة واحدة، ونحن متشوقين إليه بنفحاته الإيمانية وبخيراته الجميلة؛ منها تزداد عبادتنا وتقربنا إلى الله تعالى الذي خلقنا ورزقنا، ونجتهد ونكثر في هذا الشهر من الاجتهادات الإيمانية والقولية والفعلية، ومنها نقوم بأداء الصلوات في أوقاتها ونتفرغ أكثر من أوقاتنا خارج الشهر الكريم على أداء الصلوات الخمس المكتوبة والمفروضة علينا في اليوم والليلة، كما نؤدي سنّة التراويح، وتكثر منّا العبادات؛ كقيام الليل وإخراج الصدقات وغيرها من أفعال الخير والبر.
وفي هذا الشهر الكريم تتوب أنفسنا عن كثير مما نفعله من هفوات والعياذ بالله، فعلينا أن نرجع إلى الله تعالى ونحن في قمة الإخلاص واليقين بأن الله تعالى هو القدير على كل شيء، وهو غافر الذنب قابل التوبة، ومسخّر لنا كل صعب في هذه الحياة الفانية مهما فرشت لنا من آمالها وتعظمها في أعيننا ووزنها بموازين السعادة، لكن علينا أن نتذكر ونتبصر ونرجع قليلاً ونتمعّن أن الحياة مهما تزينت لنا بجمالها وسعادتها ورفاهيتها فهي تبقى معنا فانية، وزائلة من هذا الكون الواسع.
كما أننا نحن -معشر البشر- خلقنا الله تعالى وتكفل بأمورنا في هذه الحياة من رزق وعمل وسعادة وفناء، وعلينا أن نكون متيقنين بأننا ذاهبون من هذه الحياة مهما طال بنا الامل، ومهما عشنا من العمر فهناك عُمر كتبه الله لنا لا نستطيع تمديده ولا تقصيره.
وعلينا أن نجعل أنفسنا ضيوفاً في هذه الحياة، وأن ما في هذه الحياة يبقى يدور ويتكرر علينا كل عام؛ كالفرائض التعبدية، كشهر رمضان المبارك، ومناسك الحج، ومناسبات الأعياد وما يتخللها من العبادات، فهي كلها تأتي وتدور علينا نحن أفراد البشر الذين يكتب لهم العيش في هذه الحياة بأمر خالقنا جل وعلا.