بدر الفرقان بدر لنا في رمضان
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com
عندما يحل علينا السابع عشر من شهر رمضان كل عام نتذكر حدثا عظيما رسم للمجتمع المسلم في بداية الدعوة الإسلامية معالم واضحة وخاصة في الإستراتيجيات السياسية والاقتصادية، وتحديدا في السنة الثانية من الهجرة؛ حيث كانت غزوة بدر الكبرى التي سمّاها الله تعالى يوم الفرقان في قوله:”وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ”.[الأنفال من الآية41]. وهي غزوة كانت نقطة فاصلة في التاريخ الإسلامي؛ حيث أعلى الله تعالى كلمة الحق وهزم الباطل، يقول الله –عز وجل-:”لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلْوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ”. [الأنفال:8]. وأعز الإسلام والمسلمين، ونصر نبيه -صلى الله عليه وسلم- وحزبه، يقول الله تعالى:”وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”. [الأنفال من الآية:10].
وبدر بما فيها من أحداث يعلمها أكثرنا، ولا نقف عند سرد أحداثها، لكنها عدة رسائل في ذكراها نورد بعضها فيما يأتي.
بدر وتجديد العزيمة:
على مدار العصور وتواليها نجد أنفسنا بحاجة إلى يوم فرقان جديد مثل بدر نجدد به عزائمنا وهممنا التي ضعفت واستكانت، كانت بدر وقتها؛ لأن أهلها كانوا لها، هيأهم النبي –صلى الله عليه وسلم- لرفع الراية ونشر الدعوة، وتقديم كل التضحيات في سبيل إعلاء كلمة الحق، فكانت عناية الله تعالى معهم، وأيدهم بمدد من عنده، يقول الله تعالى:”إِذْ يُوْحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَاِئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الّذِيْنَ آمَنُوا”. [الأنفال من الآية:12]. ونحن –في واقع الأمر- في أمسّ الحاجة إلى تجديد العهد مع الله تعالى -وبخاصة في أيام شهرنا المبارك- ليؤيدنا بنصره دائما؛ ومن ثمّ ستعلو راية إسلامنا في ربوع الأرض؛ لأننا أعَدْنا بناء أنفسنا وأُسَرنا ومجتمعاتنا وأوطاننا من جديد.
بدر المغفرة والثبات على الأمر:
كل من شارك في بدر أطلق عليهم “البدريون”، وقد نالوا مغفرة الله تعالى لما جاء فيما رواه علي بن أبي طالب- كرّم الله وجهه- في رسالة حاطب بن أبي بلتعة التي أرسلها مع امرأة إلى كفار قريش يخبرهم فيها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قدْ عزَمَ على غَزوِ مكَّةَ، وتَجهَّزَ لفَتحِها، ولما همّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليقطع رأسه قال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:”لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَكونَ قَدِ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ”. [البخاري:3007].
فكان حضور حاطب بن أبي بلتعة يوم بدر سببا فيما أخبر عنه النبي –صلى الله عليه وسلم-على الرغم مما فعله بعد ذلك، فقد يصطفيك الله تعالى لقضية ما ويؤهلك لتحمل أعبائها، لكن سرعان ما تمر الأيام وتحيد عن الطريق الصحيح، ولا تثبت عليه.
أهمية الدعاء ودوره في تحقيق النصر:
حرص النبي –صلى الله عليه وسلم- على أن يدعو ربه مخلصا له مستقبلا القبلة يوم بدر، وتجلى ذلك فيما رواه عبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب –رضي الله عنهما- أنه:” لَمَّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إلى المُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ القِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ برَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هذِه العِصَابَةَ مِن أَهْلِ الإسْلَامِ لا تُعْبَدْ في الأرْضِ، فَما زَالَ يَهْتِفُ برَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، حتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عن مَنْكِبَيْهِ، فأتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فأخَذَ رِدَاءَهُ، فألْقَاهُ علَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ التَزَمَهُ مِن وَرَائِهِ، وَقالَ: يا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ؛ فإنَّه سَيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ..”.[مسلم:1763].
ولعظم الأمر وقتها أنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾. [الأنفال: 9].
وما أحوجنا إلى الإخلاص في الدعاء وبخاصة ونحن في شهر رمضان! فإنه منجاة، وبه تفرج الكرب، وتفتح الأبواب، ولا يحتاج وساطة بين العبد وربه، يقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾. [البقرة:186].
اللهم ثبّت قلوبنا على طاعتك، وهيئ لنا من أمرنا رشدا، واجعل لنا يوم بدر بدرا يشحذ هممنا، ويقوي عزائمنا، ونستضيء به في حياتنا، وأصلح أحوالنا، واجعلنا من عتقائك من النار ومن المقبولين.