حالنا في رمضان بين مُعين ومُعان
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com
أيام قليلة وينتصف شهر رمضان، إنها –حقا- أيام معدودة، ومنا من استعد له ببذل كثير من الطاعات لله رب العالمين؛ حرصا على تجديد إيمانه، فيعقد بينه وبين نفسه عدة أمور يرتبها كيفما شاء تسهم في الارتقاء بذاته تعبديا، وتساعد غيره نحو النهوض بنفسه إيمانيا سواء أكان داخل الأسرة أم خارجها.
همتنا العالية تنمو وتنمو خلال أيام هذا الشهر الفضيل، فكلما أكثرنا الالتزام بالطاعات، وتخلّقنا بأخلاق نبينا –صلى الله عليه وسلم- وحرصنا على أعمال الخير عامة وجدنا أنفسنا يوما بعد يوم نتغير للأحسن وتتبدل أحوالنا نحو الأفضل، ونحن نلهث بالدعاء ليلا ونهارا أن يتقبل الله تعالى منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وتعبّدنا وتخشّعنا وتذلّلنا وأن يتمّم تقصيرنا.
حالة إيمانية مختلفة خلال هذا الشهر المبارك تمر بمن اصطفاه الله تعالى وهيأ له سبل عبادته على وجه مقبول، ودائما نسأل الله تعالى الإخلاص في القول والعمل، وأن يتقبل صالح أعمالنا، وكلما اقتربت أيام العشر الأخيرة من هذا الشهر المبارك ازدادت الطاعات، وسمت النفوس لرب العباد، وسبحان الله! تغيُّر أحوالنا من نقاء نفوسنا في تعاملاتنا، وحرصنا على الالتزام بأوامر الله تعالى، والابتعاد عما نهى عنه، دليل على تلك الفطرة النقية والنفوس الصافية التي تسمو وترتقي بفعل الطاعات، وكأن هذا الشهر الفضيل فرصة لتجديد الإيمان.
وهذه الهمة العالية التي يؤتيها الله تعالى من يشاء من عباده قد تمر بأوقات تضعف فيها؛ فتحتاج من يقدّم لها يد العون في تجديد هذا النشاط، ونلمس أثر هذا التغير والضعف في أنفسنا ومع غيرنا من خلال عدة أمور، منها:
• حالنا مع الصلاة في جماعة وحضور تكبيرة الإحرام.
• حالنا مع القرآن وتلاوته وتدبره وحفظه.
• حالنا مع النوافل والحرص عليها.
• حالنا مع التهجد خاصة.
• حالنا مع الذكر والدعاء.
• حالنا مع الصدقات وأعمال البر.
• حالنا في أخلاقيات المعاملات.
وغير هذا كثير، ومن حسنت بداياته أشرقت نهاياته، ونجتهد في العبادات ونتقرب إلى الله تعالى وكلنا على يقين -بإذن الله- أنه -سبحانه وتعالى- سيجعلنا من عتقائه من النار ومن المقبولين، ولعل دعوة مقبولة توافي أحدنا في ليلة القدر فينال بها رضا الله تعالى في الدنيا والآخرة، وبخاصة الاجتهاد في الطاعات خلال أسابيع رمضان الأولى سيعيننا -إن شاء الله- على نيل ثواب ليلة القدر بحسن صيام نهارها وقيام ليلها، روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:”مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”.[البخاري:1901].
وعندما نجد أنفسنا في ضعف وتراخٍ؛ فإننا بحاجة إلى من يعيننا للتغلب على هذا الأمر، فنتلمس الخير فيمن حباهم الله تعالى همة عالية، قال الله تعالى:”وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى”. [المائدة من الآية:2]، وروى أبو هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال:”وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ”.[ مسلم:2699].
فمن أَعان أُعين، فكونك تعين أخاك المسلم سيعينك الله تعالى بما لم تتوقعه من كمال الإعانة الربانية، والجزاء من جنس العمل ويتجلى هذا الأمر في دلالة الظرفية الحرفية لحرف الجر “في” والظرفية المصدرية للحرف “ما”.
وحال كثير منا خلال هذا الشهر يظل بين معين لنفسه ولغيره، ومعان من غيره لعله يكون سببا في شحذ الهمم وتجديد الإيمان، وتقوية العزائم.
اللهم، أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وتقبل منا واقبلنا، ووفقنا لقيام ليلة القدر إيمانا واحتسابا.