ومرت العشر الأولى من رمضان!
فوزي بن يونس بن حديد
abuadam22f@gmail.com
بالأمس كنا ننتظر شهر رمضان المبارك، واليوم نودّع العشر الأولى منه، أيامه تنقضي بسرعة وبركاته تختفي بلمحة، مع اشتغال الناس بأشياء أخرى، وكلما تقدّمت أيامه المعدودات رأينا الناس قد ملّوا، وعن المساجد قد ذهبوا، وعن الذّكر انفضّوا، هل أن النفس البشرية تملّ هكذا بسرعة من لقاء الله عز وجل عندما تُكرّر فعلا من الأفعال؟ أم أنها فقدت روحانيتها في الاتصال بالخالق عز وجل؟ فمن يستثمر شهر رمضان في عبادة الله ولا يكلّ منها ولا يملّ تزداد علاقته بالله تعالى رسوخا وتعمّقا من خلال أداء الفرائض والنوافل والأذكار وتتبع الطاعات.
مالنا لا نرى البشر يتزاحمون على المساجد التي تختم القرآن ونراها تُقبل على من يقرأ بعض الآيات ليتفرّغ بعدها إلى دنياه، لماذا لا يحاول المسلم تغيير نفسه من خلال التخلي عن الصفات التي يراها ذميمة والتحلّي بالخُلق الحسن فيُحدث التغيير المناسب الذي أمرنا به المولى عز وجل، فيا خيبةَ من يمرّ عليه شهر رمضان ولا يتغيّر، ويا حسرةَ على من يمرّ عليه رمضان وهو لا يجني الحسنات، ويا مصيبةَ من يمرّ عليه رمضان ولم يشعر أن الله تعالى غفر له في شهر الصيام.
أيها المسلم، اعلم أنك ضيف على الله سبحانه وتعالى، قدّمَ لك كل ما تريد، ومنحكَ الحرية في أن تلتقي به متى تشاء، فبيته معمور، وضيفه مسرور، وعطاؤه غير ممنون، يتعاظم أجره، ويزداد وصله، فلماذا تَقطعُ ورده، وتغفل عن ندائه، وتنسى فرائضه، وتعصي أوامره وتأتي نواهيه؟ أما يكفيك العام كله وأنت ترتع في هذه الدنيا بلا رقيب وجاءك رمضان لينبّهك أنك في غفلة من أمرك وعليك أن تتوب، هل فعلا نحن ما زلنا لا نعرف عظم هذا الشهر الكريم الذي قال فيه القرآن العظيم: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ…”؟
هل إننا لم ندرك بعدُ أن الصيام خصّه الله تعالى له بأن جعل ثوابه خفيّا لا يعلمه إلا هو، فقال في الحديث القدسي: “الصوم لي وأنا أجزي به…”.
لماذا لا يتغير الناس في شهر الصيام؟ هل لأنهم لا يتغيرون؟ أم لأنهم بالقشرة التي لا تسمن ولا تغني من جوع مهتمّون، واللبّ الذي يحمل النجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون تاركون، لماذا عبثت بنا هذه السنون، يمرّ الشهر الكريم مرور الكرام والناس عنه غافلون، وتضيع هذه الجواهر الثمينة من بين أيديهم ولا هم منها يستفيدون.
ما زال الوقت لم ينته أيها المسلم، وما زالت الأيام المباركات تعبق بالرحمات، وأمامك فرصة عظيمة في قادم الأيام لتستثمره أفضل استثمار، طاعات كثيرة تجني منها الكثير من الحسنات، لا تتطلب منك إلا العزيمة والإصرار وطلب التوفيق من الله، اترك كل ما يغريك، وابتعد عن كل يؤذيك، واهتم بكل ما ينفعك، واسلك طريق نبيّك، وامض بعزيمة لا تلين من أجل نيل رضا رب العالمين، وابحث عن مواطن السعادة الأبدية فلن ينفعك شيء لا صلة له بالآخرة، فأنت بين أمر ونهي ومباح، فإن أتيت الأمر واجتنبت المنكر وأتيت المباح بقَدَر زحزحتَ نفسك عن النار، وإن خالفت ما قرّر الشرع كانت المأساة.
ما زال حبلُ الخير مستمرا ما دام عرقك ينبض، وما دام جسمك يحني، وما دام عقلك يقبل، وما دامت حواسك تستجيب، وما دام ضلعك يطيع، وما دامت جوارك تخضع، إنها ساعات تقضيها مع الرحمن فتعيش الرحمات، ويُغدق عليك بالبركات، وتشعر فيها بالسكنات، وتسبحان في زوايا العشق بلقاء الله، لترى نجوما مضيئة في سماء المنجيات، تحلق بك بعيدا عن الملهيات والملذات.