رمضان إشراقات روح
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com
شهر رمضان أيام معدودات، يتقرب فيها العبد لربه سبحانه وتعالى بالعبادات والإكثار من الطاعات، ومن وفّقه الله تعالى لذلك؛ فقد اصطفاه واجتباه؛ لأن هذا الشهر المبارك يعد بمثابة الزاد السنوي الذي يدخره العبد وينهل منه وقتما شاء، وحسب ما نقدم في هذا الشهر سيكون حجم ادخارنا، فإن أحسنا العمل وإتقانه فإن معين هذا الادخار لن ينضب، وإن أهملنا وقصرنا فإن معين هذا الادخار لن يستمر طويلا وسرعان ما ينتهي، ولنتذكر دائما أنه كلما كان الزاد خصبا أثمر خيرا.
ومن يمعن النظر في آيات الصيام يدرك محبةَ اللهِ تعالى عبادَهُ الصائمين، وكيفية تهيئة نفوسهم وترغيبهم في الصيام والإقبال عليه واستقباله؛ وذلك من خلال تجليات النداء الذي حمل في طياته صفة التكريم للعباد بوصفهم بالمؤمنين قبل ذكر الأمر بالصيام في قوله تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ”.(البقرة من الآية:183)، وكذلك تكرار كلمة “لعل” أربع مرات في آيات الصيام [لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (البقرة من الآية:183)، و[لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] (البقرة من الآية:185)، و[لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ] (البقرة من الآية:186)، و[لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ] (البقرة من الآية:187)، فبالصيام الحق تتحقق التقوى والشكر والهداية للطريق المستقيم.
وما أجمل أن تشرق روحنا كل يوم في رمضان حين نصوم نهاره ونقوم ليله! ونحن نستشعر فضل الحديثين الشريفين اللذين رواهما أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال:”مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبِه”. [البخاري:38].
وكذلك ما رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله:”مَن قامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ”. [مسلم:759].
وستشرق روحنا في رمضان من خلال الحرص على الصلوات في جماعة خاصة في الصف الأول؛ وذلك لفضله لما رواه أبو هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- حيث قال:”لوْ تعلمونَ ما في الصفِّ الأوَّلِ، ما كانت إلا قُرعةً”.[ مسلم:439]، وندرّب أنفسنا على حضور الصلاة منذ تكبيرة الإحرام، ونصبّر أنفسنا مع الإمام حتى ينصرف من الصلاة وأذكارها لا أن ننصرف قبله؛ لننال الثواب الذي ورد فيما رواه أبو ذر الغفاري –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:” من قام مع الإمامِ، حتى ينصرفَ، كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ”. [الألباني:2417].
وحين ندرك أن شهر رمضان هو شهر القرآن؛ فنتلو آياته ونتدبر معانيه، ويتجلى في أخلاقنا ومعاملاتنا مع الآخرين؛ ستشرق روحنا، يقول الله تعالى:”شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرَآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ”. [البقرة من الآية: 185]، ونكون قد تأسينا بحبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي خاطبه ربه -عز وجل- في قوله:”وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ”. [القلم:4]. وعندما سئلت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن خلق رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قالت:”كان خُلقُهُ القُرآنَ”. [الألباني:4811].
وحين نستشعر أهمية حفظ الجوارح وصونها في شهر رمضان بأن تصوم عن كل ما يغضب الله تعالى من المنكرات والمحرمات؛ ستشرق –ليس فقط روحنا- بل أرواح الآخرين؛ لأننا سنرتقي بهم ومعهم، روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أنَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ”. [البخاري:1904].
وقبل توصيف الحديث المشكلة وضع قاعدة عامة [والصِّيَامُ جُنَّةٌ]، فعندما يكون الصيام وقاية وحصنا حصينا؛ فإننا سنحرص تماما على التزام النهي الذي وصّف المشكلة [فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ]، ووضع لها الحلول الناجعة [فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ] لمعالجة ذلك الضعف الذي يكون فيه بعضنا، ولا يمكننا التحكم في النفس، وما أعظمها من توجيهات وإرشادات لو أخذنا بها نلنا الفوز في الدنيا والآخرة!
وفي الحديث دروس ومعانٍ لعلنا نتناولها في مقال آخر إن شاء الله.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصلاة والصيام والقيام، وأن يجعلنا من عتقائه من النار ومن المقبولين، اللهم آمين يا رب العالمين.