توريث المشكلة
هلال بن حميد المقبالي
قد تحدث مشكلة ما، بين الأقارب والزملاء لأسباب قد تكون لا معنى لها، أو قد تكون بسبب أخطاء من الممكن إعادة حساباتها، ولكنها تظلّ قائمة لفترات ممتدة، دون الرجوع الى العامل الفعليّ لهذه المشكلة، ومحاسبة المخطئ، وكما يقال: “من أمِن العقاب أساء الأدب”.
قد يصبح هذا الخطأ أو سوء الفهم مشكلة يُفقَدُ بعدها التواصل بين الأخلّاء، وتنقطع صِلة الرحم بين الأقارب والأهل؛ ليس لأنها مشكلة صعبة ولا يمكن أن تُحلّ، ولكن لعناد الآخر ضد الآخر ظناً منه أنه ليس بالمخطئ، أمّا الآخَر فيكفيه فقط الاعتذار، وتبادل الاحترام لتعديل المسار رغم إساءة الآخر له.
مثل هذه المشكلات تحدث وبشكل ملاحَظ، وتستمرّ لسنوات، ويسود بين الأقارب والأصدقاء قطع الصلة، وعدم التواصل، متناسين العقوبة الإلهية لقطع الرحم.
ولو تنازل الآخر للآخر، سيظن الآخر أن هذا التنازل سيفقده كرامته، ويعتقد بأن الآخر سيكون هو الأقوى رغم أنه هو سبب المشكلة، والآخر صاحب الحق، وكلاهما يظن هذا الظن، ويظل كل واحد منهما متمسكا برأيه وأسلوب تفكيره، لأنه بنى فكرهُ على هدا التصوّر، ونهجَ نهجهُ الخاطئ ورمى بالحلول المُتاحة لتزداد المشكلة، وتزيد الفجوة.
ويا ليت أن المشكلة تنتهي بين الشخصين وظلت على ذلك الوضع حتى تخمد؛ وإنما وصل مداها للأبناء، وانتقلت بالوراثة بين الأجيال، وذلك من خلال الكلام عن المشكلة أمام الأبناء، وتعزيز ذلك بقلّة التواصل والزيارات، والكلام السيّئ عن الآخر، واتهمامه بما لا يكون فيه، وإنما فقط ليظهر الآخر أمام الآخرين أنه هو الأصح، فتُبنى لدى الأبناء أن الخطأ وسبب المشكلة من الطرف الآخر، والعكس.
وهكذا تمرّ السنون وتتعاقب الأيام والوضع يتوسع، وقد يكون أصحاب الخلاف قد توفّوا، ورغم ذلك فالمشكلة موجودة وقائمة، وربما تؤجّج من أطرافٍ آخرين لهم مصلحة في ذلك.
ما يحصل هو أن المسيء يبدأ بتشويه سمعة الآخر و لَو كان هذا الواحد من أفضل ما يكون عند جميع الناس، ويمدحون سلوكه الحسن، واحترامه للآخر، إلا أن هذا المُسيء يبدأ بتشويه سمعته مع من كان؛ وذلك بتغيير حقائق المشكلة، ومسار الحدث، وقلب الطاولة، والكلام عنه بالسوء بين الأبناء والأقارب وهو لا يدري ماذا يقال عنه أو يحاك له، ليتفاجأ بأنه أصبح هو أساس الخطأ في المشكلة، وبهكذا فعل صُدّرت المشكلة للأجيال، وزدات فجوة التواصل وقطيعة الأرحام، وكان الشيطان فوق رؤوس من صدّر المشكلة.
وإذا سئل أحدٌ منهم ماذا حدث بينكم وبين فلان؟ لقالوا لا نعرف بالضبط، والمشكلة قديمة؛ ولكن أخبرنا شيّابنا أنهم ظلموهم في كذا وكذا، ووصانا شيابنا أن لا نتواصل معهم لأنهم ظالمون.
و هكذا تكبر المشكلة، رغم سهولة الحلول لحظة حصول الخلاف (المشكلة)، فلو اعتذر المخطئ فور حدوث الخطأ ولم يظلم نفسه ويكابر بأن موقفه هو الموقف الصحيح، ووجد من يوجهه ويواجهه بخطئه لما حدث كل ذلك الجفاء بين الأخلاء والأقارب، ولو لم يجد هذا المخطئ العون من شياطين الإنس يدعمونه لغاية لهم لما استمرت المشكلة واستعرت بين الأبناء.
واقع للأسف نعيشه في أغلب المجتمعات.