التنمر في مدارسنا الأسباب والحلول
اليونسكو : ربع مليار طفل في المدارس يتعرضون للتنمر سنوياً حول العالم
تحقيق / غادة بنت علي الدعاس
قال الله سبحانه و تعالى في سورة الحجرات: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ..”
في هذه الآية الكريمة نهي قاطع عن السخرية من الاخرين وعن تسميتهم بأسامي وألقاب مسيئة وهي قاعدة لنتعلم كيف نعامل بعضنا البعض، ولكن ما نسمع عنه الان يتعدى الإساءة اللفظية ويصل إلى ما هو أكبر من ذلك ، من الاستهزاء بالآخرين واحتقارهم إلى سلوكيات عدوانية للنيل من الضحية والاستقواء عليها . وهو ما يسمى بالتنمر لما يلحقه من أذى بالآخرين.
في هذا التحقيق نسلط الضوء على التنمر المدرسي وأشكاله وسبل الحد من هذه الظاهرة الدخيلة ونحاول من خلاله التعرف على ما هو التنمر الدراسي ، وما هي أشكاله وما الأسباب الكامنة خلفه وتأثيره على الطلاب في المدرسة ، وضحايا التنمر والحلول التي يجب الأخذ بها لمكافحة هذه الظاهرة في مدارسنا.
لابد من تسليط الضوء على هذه الظاهرة أو بالأحرى هذه القضية الاجتماعية التي تتسم بالانتشار الواسع في جميع المنشآت التعليمية خصوصا المدارس ذات الحلقة الأولى والثانية، ولابد من إيجاد حلول تعمل على تقليص التأثيرات السلبية منها. إذ أن التنمر يؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للفرد وقد ينهي حياته أيضا! بشكلٍ عام، التنمر جزء لا يتجزأ من ظاهرة العنصرية المنتشرة عالميا وبدأت تستحوذ على مجتمعنا و خصيصا أطفالنا في الفترة الأخيرة عن طريق التطور التكنولوجي و الوسائل المصاحبة للعولمة. العولمة جعلت من العالم قرية صغيرة متصلة ببعضها البعض بدون قيود ولا حدود، لذلك أصبح من الضروري توعية أفراد المجتمع (أولياء الأمور خصيصا) بكل ما يخص التنمر من أسباب، أشكال، تأثير وحلول، لكي نحمي مستقبل أطفالنا النفسي.
البيئة المدرسية تلعب دورا كبيرا في التأثير على نفسية و شخصية أطفالنا , لذلك وجود التنمر في هذه البيئة قد يكون سلاحا فتاكاً لإنهاء الصحة النفسية للطفل و ثقته بنفسه.
التنمر المدرسي مفهومه أشكاله :
نسبة ً لبعض الإحصائيات الحديثة لليونسكو أن على الأقل ربع مليار طفل في المدارس يتعرضون للتنمر من إجمالي مليار طفل حول العالم سنويا و شملت الدراسة ما يقارب 19 دولة حول العالم، وأظهرت نتائج الدراسة عن نسب مهولة منها أن 34% من الطلاب تعرضوا للمعاملة القاسية و أن 8% منهم يتعرضون للبلطجة أو (الاعتداء البدني) يوميًا. وأوضحت أيضًا منظمة اليونيسيف التابعة للمنظمة العالمية للأمم المتحدة للطفل الواقعة في مصر: أن التنمر ظاهرة منتشرة في جميع أنحاء العالم، ويوجد حوالي 50% من الشباب في فترة المراهقة من 13 إلى 15 عام يتعرضون للتنمر بدرجة كبيرة.
وقالت الاستاذة عائشة البهاتنة الإخصائية الاجتماعية بمدرسة درة ظفار: إن التنمر المدرسي هو عبارة عن أفعال وسلوكيات سلبية مُتعمدة من طالب أو أكثر نحو طالب آخر لإلحاق الضرر به وهذه الأفعال ممكن أن تكون تهديد أو شتائم أو ضرب جسدي أو إستخدام عبارات غير لائقة بهدف إزعاج الضحية. وأكدت الأستاذة عائشة أن التنمر بشكل عام يعتمد على توعية الطالب و المجتمع و مدى صرامة البيئة المدرسية بقولها: بالنسبة لمدرستنا درة ظفار لأن البيئة صارمة فيها، فحالات التنمر تعتبر بسيطة و لله الحمد و هذا شيء يختلف من مدرسة لأخرى و دولة لأخرى و لكن بشكل عام حالات التنمر كانت موجودة سابقا بشكل محدود و لكن بدأت بالزيادة في الآونة الأخيرة. أما بالنسبة لأشكال التنمر فقالت الأستاذة عائشة أن التنمر قد يكون لفظي، جسدي، عاطفي، جنسي وإلكتروني.
أسباب التنمر المدرسي:
وتقول الإخصائية الاجتماعية بمدرسة جوهرة العلم الأستاذة ندى فاضل: “أن أسباب التنمر قد تكون نفسية بدرجة أولى إذ أن المتنمر يكون قد وقع عليه التنمر سابقا فيحاول أن يُفرغ طاقة الغل والغضب بداخله عن طريق الإستقواء على ضحية أضعف منه، كما أن العنف الأسري الذي قد يعاني منه المتنمر من والديه يجعله عدوانياً لدرجة الإعتداء على زملائه بالضرب ليشعر بأنه قوي و ذو نفوذ، كذلك حُب لفت الإنتباه و الظهور كشخص ذو أفضل مكانة و الغيرة من الغير قد تكون سبب للتنمر”. وأكدت بشكل كبير أن البيئة المدرسية ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة هي الأكثر تأثيرا على الطلاب لأنها تلعب دور كبير جدا في تشكيل شخصيتهم وعقلياتهم.
وأضافت على كلام الإخصائية الطالبة ساندي محمد بقولها: “حسب ما عايشته ولاحظته في أكثر من مدرسة درست بها فإنه كل ما كانت البيئة العائلية سليمة وترعرع الأطفال في محيط مليء بالود و التصالح مع الذات و حب الغير و تقبل إختلافات الغير من حيث الشكل و الجنسية و اللون و الحالة الصحية و إلخ. فإن هذا يؤدي إلى جعل الحالة العقلية والنفسية للطفل مستقرة ومسالمة غير مؤذية والعكس صحيح”.
تأثير التنمر المدرسي:
وقالت الأستاذة ريهام الذيب _أستاذة موسيقى _: من خلال مسيرتي المهنية كأستاذة و لما شاهدته من حالات فإن هناك أكثر من نوع لتأثير التنمر على الضحية؛ على الصعيد المدرسي فإن التنمر يؤثر على المستوى العلمي و الأدائي للطفل و على الصعيد الإجتماعي فإن الطفل يصبح إنطوائي و ذو رهاب اجتماعي و قد يتطور الموضوع ليؤثر على شخصيته و ثقته بنفسه بل قد يتطور لدرجة الإكتئاب ثم الانتحار لذوي النفوس الضعيفة.
وأضافت الأستاذة ريهام أن بعض الضحايا يصل بهم الحال للانعزال تماما، فبعض الطلبة إما أن يتغيبوا عن المدرسة بمعدل على الأقل 3 مرات في الأسبوع أو يقضون يومهم في دورات المياه تهرباً من الإحتكاك بالطلبة الأخرين.
ضحايا التنمر:
ضحايا التنمر ليس لهم صفات معينة فلا يكاد أن يسلم أحد من التنمر من هذه النفوس البغيضة. ولكن الفئة الأكثر عرضة للتنمر هي فئة ذوي الاحتياجات الخاصة وذوي النظرة الدونية لأنفسهم و الاطفال الذي يمارس ضدهم الدلال المفرط أو المعاملة الوحشية من قبل أهلهم، و قد شاركت معنا ولية أمر أحد الضحايا قصة إبنها المؤلمة التي تكللت بعزوفه عن الدراسة تماما بقولها) إبني مصاب بطيف التوحد يجعله يتصرف بطريقة غريبة و يقوم بحركات لا إرادية يصعب التحكم بها؛ طيف التوحد لا يشبه التوحد الكلي لأن المصاب يكون على وعي و دراية بما حوله كما أنه يتعامل مع الآخرين بطريقة طبيعية و محدودة و لكن للأسف يظهر على المصاب بعض العلامات التي تجعله غريبا فعلاً كطريقة المشي، و السرحان، الحركة المفرطة و بعض السلوكيات كعض الأظافر”. و أضافت: “إبني فائق الذكاء و التدقيق و كنت قد سجلته في مدرسة حكومية لينمي هذه المهارات، و مرت أول يومين له من المدرسة على ما يرام، بعد ذلك أصبح إبني يطلب مني الذهاب معه للمدرسة و انتظاره في الصف مع غيابات متكررة، و بدأ الوضع مريب بالنسبة لي ! بعد أسبوعه الأول كنت قد تلقيت إتصالا هاتفيا أنه قد هرب من المدرسة ويجب على أخذه، شيئاً فشيئاً أصبح إبني يرفض المدرسة رفضًا تامًا ويصاب بحاله هيستيرية عندما أطلب منه الذهاب لها. بعد فترة، سألته عن سبب رفضه التام للمدرسة وأخبرني أنه مكروه ويعامل بطريقة منبوذة و أن زملائه ينظرون له كأنه كائن غريب و يقلدون حركاته اللاإرادية بطريقة مستفزة. فقد قال لي: “ماما، لا تخسريني لأجل المدرسة، هذه المدرسة جحيم بالنسبة لي!”.
وقال الطالب محمد خليل: “في بداياتي كنت أعاني من التنمر بسبب عيب خُلقي بسيط في جسدي، عانيت لأنني سمحت للغير بالتأثير علي وضعفت أمام المتنمرين، بل قد كنت أخضع لطلباتهم وما يأمروني به فقط لكي يمر يومي بسلام، مع الوقت قل مستواي الدراسي بشكل كبير وأصبحت حزين غير واثق من نفسي”.
وأضاف محمد: أن آثار التنمر ونتائجه قابلة لتصل لأكثر من هذا، ولكن الحمدلله نجوت بنفسي وقرأت ما يلزم من الكتب لتقوية ذاتي ومحاربة هؤلاء المرضى الذين أصبحوا يتمنون مُرافقتي الآن، هذا بسبب إرادتي القوية والحمدالله فما بالك بشخص ذو شخصية ضعيفة!
إحصائيات التنمر في السلطنة:
أكدت كل من الإخصائيتين عائشة البهانتة و ندى فاضل أنه للأسف لا يوجد إحصائيات تخص التنمر على مستوى سلطنة عمان و أنه لا يوجد جهة مختصة بهذا الأمر على وجه الخصوص و لكن حسب التقريب لما واجهتاه من حالات أنه من بين كل صف يضم 30 طالب؛ 10 طلاب يشتكون من التعرض للتنمر و عدم الشعور بالاستقرار النفسي، و للأسف أكثر أنواع التنمر إنتشارا في المدارس هما اللفظي مثل: الشتائم، السخرية، إطلاق الألقاب المهينة و التهديد، و النفسي مثل نظرات الاحتقار و التربص للضحية.
الحلول:
قالت الأستاذة عائشة البهانتة : أن حلول التنمر كثيرة و لكن حلول (التنمر الدراسي ) على وجه الخصوص تكمن في ثلاث نقاط من وجهة نظرها، أولاً: الأسرة ؛ يجب على الأسرة أن تعزز ثقة الطالب بنفسه و أن تربيه تربية صحيحة خالية من أي عنف و تعمل على تقوية الوازع الديني لديه و زرع الأخلاق الحميدة فيه كالمساواة و التسامح و مساعدة الغير، كذلك يجب على الأسرة أن تراقب سلوكيات الطفل منذ الصغر و متابعة ما يشاهده من أفلام و ألعاب، كما يجب على الأسرة ان تراقب الصحبة التي تحيط بابنهم خارج المنزل أيضًا. ولا ننسى أنه يجب على الوالدين بناء علاقة صداقة بينهم وبين طفلهم وتوفير جو عائلي دافئ لهم. ثانيا: المدرسة؛ يجب على المدرسة أن تعمل على تكثيف حملات التوعية والإرشاد عن كل ما يخص ظاهرة التنمر من أسباب وكيفية التصدي لها من خلال برامج توعوية متنوعة مثل الاذاعة المدرسية والجلسات الفردية أو الجماعية وإعداد البوسترات والمطويات وعرض فيديوهات توعوية، وحصص إرشادية ومحاضرات وغيرها. ويجب أن يتم التعامل مع الطلبة المتنمرين داخل الحرم المدرسي من خلال تطبيق إجراءات لائحة شؤون الطلبة. ثالثا: كما ذكرت سابقا، لابد من تخصيص جهة معنية تهتم بهذا الجانب وإجراء الإحصائيات اللازمة سنويا لمراقبة الوضع بشكل جدي ورادع أكثر.