تجربة تحكى بقلم
أنيسة بنت رزيق الرحبية
أولاً:
نحمد الله حمدا كثيرا، وكيف للحمد الواجب أن يكون.
الحمدلله الذي أعطاني عمراً، لأقف ممتنةً لله على ما أهداني من خير وفضل، وسأبقى عاجزة جداً عن شكره والوفاء بالثناء عليه.
ثانياً :
حلقات القرآن، والقرآن، والقيام بعد الفجر، وترك نوم الغافلين، رؤية الوجوه المنيرة، الرفقة الصالحة، المرتبة على أكتافنا لنستمر، حناجرنا حين تنطق، قلوبنا حين تقول، وجوارحنا عندما تسمع وترى، كل هذا وأكثر، كان بمثابة حياة لحياتنا، آمان لدنيانا، وثبات لديننا.
سأخبركم بالتفصيل عنا، عن النعيم الذي عشناه، رغم قساوة الحياة، رغم الضغوطات التي نراها، ورغم مشتتات الدنياوملهياتها، وخاصة الحياة الجامعية المليئة بالأشياء التي يعلمها رب العالمين.
حين نقوم، الفجر، ونصلي، أتدرون أين ستكون قبلتنا التالية؟ الكل يجيب: نوم، أو ربما تجهيز للدوام، أو اللعب بالهاتف، أو نقرأ القرآن ولكن على عجل.
سأقول!
لا.. ولا.. ولا.
محطتنا التالية بعدما نصلي أول صلاة في اليوم، كانت تحملنا أرجلنا وأقدامنا بنشاط وهمة، وشعور غريب جداً بالحماس، إلى واحة اللقاء بصحبة القرآن، إلى تلاوة في حلقة.
يا الله…
عندما أراهن، قد سبقنن إلى هناك وفي أيدهن المصاحف، يرتلن، ويتفكرن.
يا الله…
عندما تكون حلقة عنوانها الخروج بقلب سليم.
كنا نترحل من الطابق الثالث في السكن، وصولاً إلى قاعة المذاكرة، التي ستشهد جدرانها وتشتاق لتلاوتنا في الطابق الثاني. طبعاً الكل نيام، والله اصطفى الأبرار، ليتسابقوا إلى أمان وشيء لا يوصف بصراحة.
نجتمع هناك، نلتقي بقلوب بعضنا البعض. نسلم بمصافحة يملؤها الحب العميق، والأخوة العزيزة، والرأفة، كأننا صفاة أتقياء، خالون من كل ضيق أو هم، نجلس في حلقة، وكنا نكمل كل يوم جزءا، إنكم لا تدرون كيفية حجم المشاعر والخير الذي نحن عشناه بوصولنا لهذه الحلقة، وكيف عندما نبدأ، وكيف عندما نشارك بعضنا علمنا وتصحيحنا.
لا أحد يعلم إلا من عايش تلك اللحظة.
المهم؛ سبحان الله ينساب من أضلعنا كل تعب وكل ضيق وكل توتر ويدخل القلب انشراح وراحة، وحتى الوقت يكون مباركا، وتشعر بأهميته، فيا سبحان الله!
نتلو فنقع؛ فنصحح أخطاءنا معاً، لا نسير ركضاً؛ بل نمهل المشوار حتى الكل يصل بأمان.
ونحن نقرأ كلمة كلمة حتى صرنا نتعلق كثيراً بالقرآن، وبصاحبات الحلقات.
سبحان الله من المواقف التي هي قريبة لقلبي؛ مداعبتنا لبعضنا البعض، ومواساتنا، وتواجدنا لبعضنا، لضحكاتنا التي يملؤها الخير، لمزاحنا الجميل.
طبعاً أنا كنت من الطالبات اللاتي جدولهن كان من الثامنة إلى الثامنة، وكان حقًا جدولا مضغوطا ومليئا بالمشاريع والأشغال، طبعاً أنيستكم، الليل نومها متقطع، ومتأخر، لكن سبحان الله قد وجدت بركة في يومي، فلا يذهب إلا وأنا مرتاحة ومنجزة فيه، سبحان الله، رغم إنه كانت أعمال كثيرة معي، وكنا نقيم حلقات في الليل ونسمع لبعض، لكن لم يمنعني عن دراستي ولا وينقص من معدلي. فهل تعلمون من أين لي هذا الجمال وهذا الأمان؟، حيث قال بعضهم:إنني مرتاحة وغير قلقة ومشتتة؛ فهل عَرفتم الجواب؟ أظن أنه واضح!
فما زاحم القرآن شيئًا إلا باركه، جداً كنت متعلقة بالقرآن وأسعى للمشاركة ويسعى له جميع من حولي، وكنت جداً واضعة في بالي القرآن مساعدي وسندي وبركتي، حتى عندما اعتذرت في أحد الأيام عن عدم الحضور أحسست بفراغ بداخلي.. وكأنه شيء ناقص.
فالحمد لله انتهينا من ختم القرآن مع صحبة أحبهن قلبي جداً، وممتنة لهن كونهن معي، وشاكرة تعاونهن لإكمال المسير، وقد بدأنا في الختمة الثانية ولله الحمد؛ وهذا فضل من ربي، ونعمته علينا.
نعم.. لقد تغيرت حياتي، ووجودي وشخصيتي.
فيا ربي إني عبد عاجز، فسامحنا على التقصير.
كم نحن بحاجة للقرآن بشدة. وقد يعرضنا في البداية الشيطان ويلعب علينا، ويوسوس لنا بإكمال نومنا ناموا؛ ولكن لماذا نتركه ونترك النفس تنتصر علينا؟
جربوا وسوف ييأس منكم الشيطان ويهرب، لأنكم اتخذتم لقلوبكم دواء هو يكرهه؛ لذلك لا تستسلموا، حاربوه وكونوا شجعانا في البداية وسوف تجدون أنفسكم وحدها تقودكم وتأخذكم للتعلق بالقرآن، ومع مرور الوقت تتعودون عليها وأن تستغنوا نصيحة مجرب، فالحمد لله عمرًا ودهورا وسنين.