نوفمبر الأحلام
منال السيد حسن
ذات غروب، كانت الأجواء تُبشر بقدوم شيء ما، شيء ينفضها من أخمص أعماق الألم إلى أقصى درجات الأمل، شيء قادر على الخلود والبعث.
جاء إليها إلى ذلك المكان الذي شهد نظراتهما الأولى، كان متفردًا بقوامه، ثائرًا في ملامحه، نظر إليها بمنتهى الرومانسية والجبروت، بعثر في داخلها كل المبادئ والقيم، وتوزعت في روحها نظرته التي لا آخر لها.
سحبها من يدها التي لم يلامسها بعد في لهفة وشوق، -رغم أن الفرصة كانت سانحة لملامستها-، كان أنيقًا في كل شيء، له رونقه الخاص، وكان وسيمًا إلى الحد الذي حرَّض أنوثتها عليه، فراوغته في صمت . تجولا معًا في سيارته، تلك التي شهدت أقوى لحظات حبهما في سنين مضت رغم حضورها في كل شوق وكل حنين، وكل حرمان.
كان مزيجًا لذيذًا بين الرجولة في شموخها والصبية في تساميها، كان يعبث معها ويلهو في تركيبة عجيبة ومثيرة أغرتها أن تتمرد على كل التقاليد والموروثات والأعراف، أن تتمرد على ذاتها وقيمها، قلبه عميق مثلما تبدو عليه روحه العذبة.
جذبها حنينها كأنثى من يدها في شوقٍ متمتما لها بأن ثمة أشياء في عينيه تبدو وكأنها الأبد، تناديها بخفة كفراشة تحلق في سماء العشق والحريات. صوتٌ يسكن في شفتيه، صامت لكنه لا يهدأ، وبوح عميق في كنف روحه يتقد حرمانًا. حنين بازخ مفرط لأحضانها والأمان، يريد وبشدة أن يخرج عن طور الحرمان، وأن يطلق خيل أشواقه في عنان ذراعيها.
كانت شمس الغروب تسطع في الأفق، تلوح بيدها وكأنها تبرهن على استجابة الله لدعائها أن يجمعهما ذات غروب، كان الأخضر تحت ظلال الشمس يشتد بريقًا، مثلما عينيه كانت تلمع من فرط اشتياقه، كان يلهو معها وكأنه طفل ناضج يدري ما يفعل دون أن يفكر، التهم أفكارها خِلسة ودرس تركيبتها العجيبة في لمح البصر، وكأنه قطرة غيث لأرض قاحلة، انتفضها من صمتها الأنثوي، واجتث عفويتها في لطفٍ أنيق، يحثها على الكلام .
ببراءة طفلة وتصرفات عفوية، تُرفرف ثوبها في حرية، تكشف عن جانب منها وأيادي الريح تمرح بين خصلاتها، وتتفجر بين ذراعيها أنهار الأمل، تُخلص في توغلها الأنثوي نحوه، وتفور حولهما ينابيع الحرية، كل ما بها كان يعترف بحبها له، كان مكتوبًا على جبينها “أعشقك”، أو لم تشعر؟!
بلى، كان يدري كل شيء، وهو الذي لطالما يفهمها من نظرة، تجتاز أنفاسها وكأنها تعبر الوهج بين الهجير، تلك هي الساعة المشتهاة، يُضيء بأوصاله الدفء دون انطفاء، الساعة المشتهاة، سترتمي بين أحضانه وتسكن ملجأها، صدرها المرمري يسكن صدره الأمان، كطائر حائر وجد عشه الأبدي، كحمامة بريئة حطت على كتفه ونزلت لكي تشرب، تختلج بينها وبين نفسها، وقلبه اليمامة كان كحقل فراش يطير، ونبض سحابة عشق تفور جسدت بينهما أقوى معاني الحب والأمل والحرية، وبدأت بينهما أجمل قصة عشق عذبة كوردة مرنة تتمايل حين نلامسها، وتواعدا للقاء غدًا.