تلفاز….
الشاعر هلال الشيادي
وجدت هذا التلفاز موضوعا عند بقايا بيوتنا المهدمة وحاولت أن أشرح له ماذا سينقل عبر أثيره من حال قرية القرحة بعدما هجرها أهلها قرب البحر بسبب مشروع الشارع الساحلي الجديد الذي فرق الأهل والأحبة والجيران، والحمد لله على كل حال.
ماذا ستنقل يا تلفاز؟ فالوجعُ
ملء الأثير ولا بثٌ سيتّسعُ
في كل ركن لنا ذكرى وألف أسى
تحكي وعند صداها الدهرُ يستمعُ
وكل طابوقة حلم نكسرهُ
وكل بيت كمثل الروح ينتزع
كل الذين هنا ساروا على قدر
وغادروا الحارة الثكلى وما رجعوا
لم يبق غير غناء البحر في ولهٍ
يبكي الأحبة ما صاروا؟ وما صنعوا؟
يقلب الصدفَ المحزون يخبره
ويملأ الصدفَ المستوحشَ الولعُ
ولم تزل في ثياب السِيف رائحة
للراحلين وهم في قلبنا هجعوا
نراهمُ كل صبح طيف أشرعة
وفي بقايا سفين هده الجزع
إذا تبدى صباح ملء حارتنا
كأنهم مع نور الشمس قد طلعوا
يوحون فينا ائتلاقا من مكارمهم
من غبشة الفجر في آمالنا سطعوا
كانوا هنا، ضحكوا،مروا هنا، لعبوا،
صلوا هنا، سمروا، غنوا هنا، ونعوا
البحر لقمتهم، والنخلُ مسكنهم
اعزة بقليل النعمة اقتنعوا
تقاسموا الصيد فيما بينهم قطعا
فلم يبعثر عقود الألفة الطمعُ
كل المعاني الجميلات اختفت ومضت
الحب والعون والإيمان والورع
كل الحكايا انتهت كل الزقاق ذوت
وللمدى قصص تُروى لمن فُجعوا
بيتي الذي كان بالآمال يجمعنا
اليوم أمست به الآلام تجتمع
للأرض بوح حزين حينما سقطت
فيها البقايا وتبكي حولنا القطع
وفي الحطام ندائي امتد في شجن
حتى الصدى لم يعد بالصوت يرتجع
وللنوارس في الآفاق أسئلة
ولا إجابة إلا المنظر البشع
بيوتنا يا قلوبا مُزقت إربا
ويا نياطا من الأكباد تقتلع
علت إذِ انهدمت، ضاقت إذِ اتسعت،
كذا تضيق المآسي حين تتسعُ
وإن تساقطت الجدران آيسة
فالذكريات بطول العمر لا تقع
تلك المنازل يامال وأدعية
وقلب طفل، وحلم ليس ينقطع
والجار للجار معوان وبعض يد
والكل للكل ما ضنوا وما امتنعوا
إذا اعترى النقص كانوا هم زيادته
وكل خفض بهم يعلو ويرتفع
طموحنا في عباب البحر نشرعه
وفي ثرى القرحة الـميمون ينزرع
هنا توقفْ عن الأشجان يا قلمي
لا الدمع يجدي ولو كل الملا دمعوا
لكن سأنقش في الآفاق قافيتي
غداً بنور على الآتين تلتمعُ
انقل أسانا أيا تلفاز إن بنا
ما ليس للباب لما كان ينخلع
انقل وعبر الأثير الحزنَ واحْدُ به
هذا أسانا؛ فما نبقي؟ وما ندَعُ؟
🌛هلال بن سيف الشيادي🌜