التكاتف العالمي ودوره في مواجهة الكوارث والجوائح
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com
لا شك أنه أصبح من الضروري في أيامنا هذه أن يتضافر العالم أجمع وتتكاتف حكوماته ومؤسساته وشعوبه في سبيل مواجهة ما يعنّ كل يوم من كوارث متنوعة وجوائح مستجدة؛ لأنها لا تفرق بين أحد، فلا تعرف لغة أو دينا أو عرقا أو لونا أو غير ذلك، فالمجتمع الإنساني إذا وُئدت منه النزاعات بكافة أنواعها، والصراعات السياسية بكل ما فيها؛ فإنه سيكون لحمة واحدة إذا اشتكى منه قطر تداعت له سائر الأقطار وقوفا وبناء وتنمية ونهضة، وأجدر بنا –بني البشر- أن نتعاون ونتضافر فيما بيننا؛ فقد اختصنا الله تعالى ورزقنا وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلا، وهيأ لنا سبل الحياة، وسخر لنا من مخلوقاته ما يساعدنا في قضاء مصالحنا وحوائجنا، وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا المعنى في سياق التكريم الذي ورد في قوله تعالى:”وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”. (الإسراء:70).
قريبا كنا في أحداث جائحة كورونا (كوفيد-19) وما عاناه المجتمع الدولي من مأساة قلّما سلم منها أحد، ورأينا أثر التكاتف المحلي والدولي في مواجهة هذه الجائحة من خلال السعي نحو توفير الأدوية، وإسعاف المحتاجين، واتباع الإرشادات الصحية، ومد يد العون والمساعدة لتلك الدول التي عانت كثيرا، حتى الدول المنتجة للدواء لم تسلم هي أيضا من ذلك؛ مما يؤكد أن الكوارث والجوائح إذا هبت رياحها فلا يقف أمامها أحد، وقد رأينا وتابعنا إحصائيات بعض الدول، والتي قدمتها منظمة الصحة العالمية خلال فترة الجائحة خاصة الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ أيام مضت نزل بتركيا وسوريا زلزال هزّ كيانهما، ويعد من أكثر الزلازل قوة ودمارا في تاريخ الدولتين، ووجدنا دولا كثيرا هبت إلى نجدتهما؛ وذلك لكثرة آثاره المدمرة التي أحاطت بكلتا الدولتين، وقد أرسلت دول فرقا للإنقاذ للتعامل مع الكارثة، ودول أخرى أرسلت مساعدات متنوعة من مستلزمات طبية ومساعدات عينية، وما زالت المساعدات تتوافد من بقاع شتى؛ فالمصاب جلل، ويستحق من الجميع التكاتف والتعاون وتقديم سبل التخفيف عن كاهل الشعبين خاصة ونحن في فصل الشتاء، ولاحظنا أن حالة الاستنهاض هذه جاءت من خلال استشعار الجميع أن الكارثة إذا وقعت فلا تفرق بين دولة متقدمة وأخرى نامية، أو بين غني وفقير، أو بين صغير وكبير، فالكل سواسية والجراح واحدة.
وعلى الصعيد الداخلي فقد أطلقت تركيا حملة تبرعات تعد الأولى في تاريخها لتقديم سبل المساعدة للمتضررين من الزلزال، وقد أطلق على هذه الحملة “تركيا قلب واحد”، واستطاعت خلال ساعات محدودة جمع أكثر من ستة مليارات دولار، وهذا بدوره يبرز لنا ذلك التكاتف الذي نتحدث عنه أمام الكوارث التي تصيب البلاد.
وقد مدت عدة منظمات شريكة مدعومة من بعض الدول الكبرى، وكذلك وكالات الأمم المتحدة، وغيرها من الشركاء الإنسانيين الدوليين يد العون للشعب السوري المتضرر بعد وقوع الزلزال الذي دمر مباني كثيرة في شمال سوريا، وأودى بحياة الكثيرين هناك، وستسهم هذه المساعدات في توفير سبل الحياة من مأكل ومشرب ومأوى ورعاية صحية وغيرها، وهذا مظهر من مظاهر التكاتف العالمي الذي يخفف بعض تلك الإصابات الناجمة عن أضرار الزلزال.
ولعل التغيرات المناخية التي حدثت في سلطنة عمان عام 2021، والتي تمثلت في أضرار إعصار شاهين الذي ضرب عددا من الولايات قد أفرزت لنا نموذجا في التلاحم والتكاتف والتعاون بين أفراد المجتمع العماني من ناحية وما قدمه المقيمون في تلك البقاع الطيبة من جهود مقدرة من ناحية أخرى لمعالجة تداعيات شاهين.
خلاصة القول: المسئولية جماعية وتحتاج ذلك التكاتف والتعاضد من الجميع، وعلى دول العالم النظر في إعداد خطط مدروسة في سبيل مواجهة مثل الكوارث والجوائح بكل أنواعها، ونبذ تلك الصراعات السياسية، وحل النزاعات التي نشأت وتغلغلت في أعماقها، وأولى بها أن تم يد العون وتقدم حلولا ناجعة لمعالجة الفقر والأمراض والأوبئة والتغيرات البيئية عامة من أن تتصارع فيما بينها، وتنهش الزلازل السياسية بنيانها قبل الزلازل الطبيعية.
وقد بات واضحا أنه لا أحد أصبح بمأمن من وقوع كارثة أو جائحة؛ لذا كان على المجتمع الدولي التكاتف والتعاون لمواجهة ذلك، وتقديم سبل الدعم، وتوفير أعلى مستويات الحماية بما يضمن السلامة للجميع.
وفي الحديث الحسن الذي رواه عبيد الله بن محصن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:”مَنْ أصبحَ منكم آمِنًا في سِربِه معافًى في جسدِه عندَه قوتُ يومِه، فَكأنَّما حِيزتْ لَه الدُّنيا بحذافيرِها”. أخرجه الترمذي (2346).
ثلاثة أشياء في هذا الحديث تستوجب منا أن نحمد الله تعالى ونشكره عليها: (الأمان والعافية والرزق)، فمن توفرت له ملك الدنيا وجمعها، فاللهم آمنّا في أوطاننا، وعافنا في أبداننا، وارزقنا وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين.