يحدث الآن..
شريفة بنت راشد القطيطية
القليل من يسكن القلوب ويتغذى من الروح، ويأتي بغيث المطر يلعب في باحة الدار، ويختار من محطات الحياة سلوكا، ويأتي للأحداث بوجه ضحوك، ويعبئ أحلامك بالطهر والنقاء والأمل، ويثبت لك أن الحياة ما زالت مليئة بالعبق والشذى.
يحدث الآن اتفاق بين القلوب ومعاهدة تودد بين الأرواح، نترك قائمة اللهم نفسي نفسي، ونشعر بألم الفقراء ونستشعر البسطاء، ونأتي من فضاءات الأحداث بغتة ونترك بصمة، ولا نعول اهتماما لحزن ولا ذكرى لغصة، ولا نتودد لغني ولا نغني ولا نسمن من جوع، لدينا فعالياتنا الحسنى بعد صلاة العشاء، نترك بين الغدق والغيد مسافة، وكل على غير العادة مبتهج وإحساسه باليتم الشجي مؤاخذ عليه، وحول موقد النار يلعبون ويتركون بصمات الشتاء منهكة وتعابيرها حمقى، كيف تأتي لقوم شتاؤهم كان يثلج المشاعر؟
المستمعون لدقات قلب بعضهم بعضا هائمون بلا تردد ويغتالون المحنة وقوي بأسهم، وقوافل البساطة لديهم ألفة وتحد، وبيوتهم اللامعة بالبهاء والأناقة منزوية في ركن مهمل ومعطل، وجالسون خلف الدار في بساط رث وأرض رطبة، وموقد التعارف يأخذ جوائز راقية، ويلعق من أفواههم حكايا الزمن الجميل وعطاء المغتربين وتركية المواظبين على حصاد أرض زرعت بعروق التعب وٱهات الكهول، وأحدقت عين النهار على أزهار صوت القرآن من معلم وتلاميذ صغار، وعمت الأذكار، وعاد المجاهدون لوجبة الغداء وقليلولة محفزة لمساء خجول، يمشي على أطراف أصابعه ليتعب الأجساد المنهكة.
يحدث أن العائدين من تجارة يقفون على باب الشاطئ ويشتركون مع البسطاء بمقود الهدايا وجزيل العطايا، ويفصحون بحماس عن مغامرتهم المفرطة بالعفوية، ويد التاجر في جيوبهن، وغزل البنات وبعض سبات يدخر لليل تائه مكتظ بالحكايا، وقلوب نقية ومغامرات سخية، وجذب حوار يتلوه حوار، ومسافات شاسعة أنتجت قصصا، وبحر مترامي الموج نقش في الأيدي ألوان الطيف وعبر بالامتنان لوجود سمراء بحثت عن رزق، وتوارى خجلها عن السؤال، عم المساء وأعلن أول الليل اجتماع القلوب في صحن واحد.
يحدث الآن مراسم دفن الحكايا تحت وسائد المتعبين، وفض مجالس الأمعاء الخالية من التخمة، وبعض بقايا الأرز في قعر القدر مغطى برائحة الزعفران، وليل غفران لحارة يسكنها النقاء، وقنديل فقير معلق بأرض الفِناء ينير لهم بصيص الضوء الذي يقودهم لخيط الفجر وصوت المؤذن؛ الله أكبر.