تحقيق صحفي: كيف يتحول التسويق الرقميّ من نعمة إلى نقمة؟
كتبت – اليقين بنت سيف بن سالم السعيدية، وماريا بنت عبدالله بن صالح الهطالية، وأسماء بنت خليفة بن ناصر الهطالية
من جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصحار
تطورت التكنولوجيا في الوقت الحاضر بشكلٍ كبير عن العصر الماضي، ومع مرور الوقت، وما صاحَبه من تطورات في التكنولوجيا الرقمية، أصبح الوضع أفضل مما سبق، فالفئة المستخدِمة لها انقسمت إلى فئتين:
فئة أحسنت استخدامها، والفئة الأخرى أساءت الاستخدام.
ففي الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة سامّة، وخطرها انتشر في الأرجاء، ألا وهي ظاهرة الاحتيال في التسويق الرقمي والتي تسببت في وقوع الكثير من الضحايا. حيث لوحظ أنه يوماً بعد يوم تزداد أعداد ضحايا الاحتيال الرقمي، بل ويتفاقم بسبب الانتشار الواسع للتكنولوجيا الرقمية، التي انتجت نوعاً جديداً من الجرائم التي لم نشهدها من قبل، والتي قد تتخطّى حدود الدول، بل القارات أيضاً، ولم يقتصر خطرها وآثارها في النطاق الإقليمي لدولة معينة.
نعيش في عصر العِلم والتطور ونشهد تقدمه المتلاحق في جميع المجالات، وإننا لنفخر بهذا التقدم والإنجاز الحضاري الذي سمَونا به بين الأمم، فنحن نسعى لأخذ الصالح المفيد وترك ما لا طائل منه. حيث أن التسويق الرقمي يهدف لإنشاء محتوىً ونشره من خلال التكنولوجيا الرقمية، ومن هذا المنطلق ومع اتّساع البحث في النطاق العلمي والرقمي أردنا أن نشير إلى خطورة الظاهرة السقيمة التي انتشرت بين أفراد المجتمع، بل والعالم أجمع، ألا وهي كما ذكرنا ظاهرة الاحتيال في التسويق الرقمي. الاحتيال هو أيّ فعل يهدف عمداً إلى تضليل شخصٍ من أجل الحصول على الفائدة. بعض الأشخاص يعتقدون بأن الاحتيال هو السرقة فقط، والحقيقة أنهما جريمتان يجمعهما رابط وحيد، ألا وهو أخذ غرضٍ ما دون أخذ الموافقة الكاملة من الطرف الآخر، إلا أن الفرق بينهما هو أن الاحتيال يحصل تحت تأثير ما، حيث يحتال المُحتال بطرق ماكرة تجبر الضحية على الخضوع إليه بشكل تامّ.
أما جريمة السرقة فهي أن يقوم السارق بأخذ غرض معيّن دون علم الطرف الآخر. على سبيل المثال:
عندما يقوم المحتال بإرسال وثائق شبه رسمية مزيفة بإتقان شديد، يصعب على الشخص العاديّ التفريق بينها و بين النسخة الأصلية، لذلك ننوّه على أهمية الحذر من الوقوع تحت خطرهم.
حيث قمنا بسؤال مساعد العميد للشؤون الأكاديمية المساندة بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصحار الدكتور هلال بن علي المقبالي:
كيف يخدم الذكاء الاصطناعي في الكشف عن الاحتيال الرقمي؟ وما هي توقعاته المستقبلية في تطور الذكاء الاصطناعي؟ فأجاب:
التعلّم الآليّ عبارة عن مجموعة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي المدرجة على بياناتك التاريخية لاقتراح قواعد المخاطر، وبالتالي يمكنك بعد ذلك تنفيذ القواعد (التعليمات التلقائية) لحظر بعض إجراءات المستخدم أو السماح بها، مثل عمليات تسجيل الدخول المشبوهة أو سرقة الهوية أو المعاملات الاحتيالية، و هكذا نرى أن الذكاء الاصطناعي يُعتبر أفضل الحلول الفعالة لتقليل مخاطر الاحتيال الرقمي، فعلى سبيل المثال يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن الاحتيال عبر الإنترنت، وذلك عن طريق تحليل سلوك المستخدمين، حيث يعمل الذكاء الاصطناعي على استخدام تقنية تتبُّع خوارزميات التعلم الآلي للسلوك النموذجي لكل عميل أو عملية تتم، وبالتالي تقوم هذه الخوارزميات على الفور بتقييم عدد كبير من المعاملات وتقييم مجموعات البيانات الجديدة ومعالجتها باستمرار، وحظر السلوكيات المشبوهة.
إن استخدام الذكاء الاصطناعي أصبح أحد الحلول الفعّالة في الكشف عن الاحتيالات الرقمية والتي تحدّ وتقلّل من الخسائر بشكلٍ ديناميكيّ، فعلى سبيل المثال:
تمّ رصد أكثر من (3 مليار) هجوم إلكتروني في عام 2018 وهذا رقمٌ كبيرٌ جداً، وهو يكلّف مليارات الدولارات للشركات التجارية، ففي دراسة أُجريت حديثاً، رصدتْ أنه لغاية عام 2021 كلفت الهجمات الإلكترونية الشركات التجارية قرابة 6 تريليون دولار، لذا، فإن معظم الصناعات أصبحت الآن تتّجه إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لفعاليته ونتائجه الدقيقة في تنفيذ المطلوب، وتفادي المخاطر.
الدكتور هلال المقبالي.
ولنأتي لمفهوم التسويق الرقمي:
حيث تناولناه من وجهة نظر محضَرة التنفيذ في المجلس الأعلى للقضاء: بدرية بنت أحمد الهطالية، وعرّفت التسويق الرقميّ بأنه:
عبارة عن فرد أو شركة أو جماعة أو كلّ مَن له شأن بالتسويق عن منتَج خاصّ، مهنة وحرفة معيّنة، يقوم من خلالها بفتح حساب عن طريق إحدى م التواصل الاجتماعي، وسرد كل ما من شأنه التعريف عن ما يودّ التسويق له، لجذب الزبائن المحتمَلين، أرقام تواصلهم وكافة بياناتهم المهمة. ومن ثمّ يقوم الطرف الآخر (الزبون) بالتواصل معه وطلب المنتج.
للاحتيال صوَر كثيرة لا تعدّ ولا تُحصى، ومن أشهر هذه الصور:
سرقة الهوية، الاحتيال العقاري، الاختراق، البرمجيات الخبيثة والفيروسات، الشيكات المزيفة والتسويق الهرمي.
وقد تحدثت مديرة ومساعِدة التخطيط والتطوير في وزارة الداخلية أ. بدرية بنت أحمد الهطالية عن تعرُّضها للاحتيال، حيث ذكرت بأن هناك الكثير من أشكال الاحتيال الذي يتم عن طريق التسويق الرقمي، خاصة عند عرض المنتجات وتعظيم فوائدها، وفيما بعد نكتشف عدم صحة هذا الإعلان أو المنتج، وقد حدث أن حجزتُ بيتاً عن طريق موقعٍ إلكترونيّ معروف، وكنتُ في مرحلة الدفع، واكتشفتُ أنْ لا وجود للبيت على أرض الواقع، وأشكر الله أنني أوقفت عمليات الحجز بالإبلاغ وتسجيل تقرير شكوى حول الموقع المزيف.
وعندما تطرّقنا لأحد أنواع هذه الاحتيالات كالاحتيال بالشيك المزيف، فطرحنا عليها أنْ تذكر لنا فكرة الاحتيال بشيك مزيف في المجال الوظيفي، فقالت:
سمعت الكثير من هذه القصص وأعتقد أنه يجب أن يكون ثمة تقنيين من أجل عدم انجراف المجتمع نحو هذه السلوكيات بمعنى التجريم، وأيضاً وضع تشريعات تحمي الأفراد من الانخداع خلف الشيكات المزيفة، فعلى سبيل المثال:
في حال وجود تطبيق يُوفَّر من قبِل البنك، نُدخل فيه رقم الشيك قبل إتمام الصفقات، ومن ثمّ يحدّد البنك ما إذا كان هذا الشيك مزيفاً أم صالحاً.
في الآونة الاخيرة انتشرت ظاهرة التسويق الهرمي، حيث إن بعض مؤسساته اختفت، والبعض الآخر ما يزال قائماً إلى اليوم. ومن هنا نأتي إلى وجهة نظر رائدة الأعمال يسرى بنت عبدالله الغيلانية عن ماهيّة التسويق الهرميّ أو الشبكيّ، حيث قالت:
هو طريقة تجتذب بها المؤسسة للعملاء عن طريق بعض المميزات مثل الرتب أو نقاط الولاء والهدايا والخصومات، بحيث يصبح كلّ عميل هو مسوّق إضافيّ لمنتجات الشركة، ويجذب عملاء جدُد، ليحصل على نقاط وأرباح من خلالهم.
إن سبب إقبال الشباب عليها هو ظنهم أنها وسيلة سريعة للارتقاء والربح، حيث تُشجّع هذه المؤسسات المشاركين الجُدد بوعود الثراء، وتحرّك مشاعرهم بمصطلحاتٍ مثل: القيادة والتأثير على الآخرين، وصنع التغيير، فينجذب الشباب لهذه القوة الوهمية التي يظنون أنهم سيحصلون عليها من وراء هذه الوعود، وخصوصاً أن ثمة نماذج حية في المجتمع من الذين أصبحوا أثرياء وامتلكوا العقارات والسيارات الفارهة بسبب أنهم امتلكوا قوة التأثير على الآخرين.
من وجهة نظري: يُعتبر التسويق الهرمي أو الشبكيّ أحد سُبل النصب والاحتيال التي استطاعت من خلالها عدة منظمات ممارسة غسيل الأموال والتهريب وأداء التجارة غير الشرعية، وقد نهى علماؤنا عنها لأنها من الكسب غير المشروع.
رائدة الأعمال يسرى بنت عبدالله الغيلانية
يقول المختصّ في مجال التسويق والحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال محمد حبيب في معرض إجاباته على الأسئلة التالية:
محمد حبيب
هل ساهم الإعلام في نشر الاحتيال الذي حدث في التسويق الرقمي؟
حيث قال:
حتى هذه اللحظة لم يساهم الإعلام الرقمي للأسف الشديد بشكل كبير فيما يتعلق بالاحتيال، حيث إن الاحتيال في منصات التواصل الاجتماعي مستمر، ولكن بأشكال مختلفة، فتارةً نرى ظهور شركة وهمية لا أساس لها، وتدّعي أنها تقوم بتوزيع أرباح خيالية على المساهمين خلال فترة وجيزة، وبنسبة مخاطرة صفر، وعند ظهور مثل هذا النوع من الاحتيال للأسف الشديد، فإن وسائل الإعلام تتأخر بتوعية الجمهور بمخاطرها.
مع التحولات التكنولوجية الهائلة التي يشهدها العالم، بدأت المؤسسات الاستفادة من نتائج هذه الثورة التقنية غير المسبوقة في الكشف عن الاحتيال الرقمي الذي اجتاح العالم أجمع، وفي خضمّ ذلك ظهر التسويق الرقمي للسلع والخدمات على حدّ سواء، وهو ما وفّر نافذةً استثمارية بأساليب ترويجية سهلة قابلة للنصب والاحتيال، لذلك لجأت أو توجّهت المؤسسات والشركات إلى توثيق حساباتها بشكل رسمي، وذلك لتجنب الوقوع في فخ القرصنة.
وعند الحديث عن دور المؤسسات في مكافحة هذه الأنواع من الاحتيال أجاب أ. محمد:
إن ما يثلج الصدر هو قرار وزارة التجارة والصناعة الأخير المعنيّ بالشركات الربحية الوهمية، وبموجب هذا القرار يتم تغريم المشاركين فيها مبلغاً مالياً وقدرة 5000 ريال عماني، فهذا القرار قد ساهم كثيراً بالحدّ من الاحتيال، وأوضح لشريحة كبيرة من الناس الوجه الآخر لمثل هذه الشركات وما تحويه من احتيال ونصب.
وقد أصبح البعض يحذّر من الدخول لأيّ شركة لا يعلم بها من الأساس، إلا أنه ما زال الدرب طويل لنشر الوعي عن هذه الأنواع من الاحتيال.
وبسبب عدم اهتمام الإعلام بالتثقيف عن التسويق الرقمي وعدم اكتراثها بنشر ماهية التعامل مع التسويق الرقمي وكيفية التعامل مع الاحتيال الذي قد يتعرض له الزبون، فقد تم النصب على العديد من الزبائن، لذلك إلى الآن لم يصل المجتمع للوعي والإدراك الكامل عن هذه الظاهرة.
كما أكّد الأستاذ محمد حبيب في إحابته عن السؤال:
هل وصل المجتمع لمرحلة الوعي والإدراك أم لا ؟ أجاب:
حتى اللحظة لم يصل المجتمع لمرحلة الوعي، فهذه الأنواع من الاحتيال تركّز بتسويقها على استهداف الألم لدى الجمهور، فتوهم الجمهور من أنهم لن يحتاجوا إلى وظيفة، فقط يكفيهم الاستثمار بالشركة وستصلهم الأرباح مباشرة، وللأسف فيدخل البعض في هذه الشركات، وأيضًا نجد أن هذه الأنواع من الاحتيال تتلون بألوان عدة، فتارة تظهر لنا شركة لا نعلم أين موقعها وتوهم الناس من أنها معتمدة لدى الدولة فيصدقها البعض ويدخل فيها.
وقال الفاضل/ أحمد الشبلي موظف بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصحار في قسم التوجيه الوظيفي:
فما يتعلق بمساهمة المؤسسات الأكاديمية في قتل احتيالات التسويق الرقمي، فقد ساهمت المؤسسات الأكاديمية برفع الوعي عند الشباب وإدراك عمليات الاحتيال في التسويق الرقمي، ولكن يبقى دورها محدوداً مقارنةً بالوعي الذي يُفترض عمله من خلال المؤسسات الأمنية والإعلامية.
الفاضل/ أحمد الشبلي
to me
و في الختام، يجب أن لا ننكر فوائد التسويق الرقميّ، وما أتاحته من سهولة التبادل التجاري بين المناطق والدول، والتي لم تقتصر فقط على تبادل السلع بل شملت مختلف الخدمات. ولكن يجب الوعي والتثقيف عن كيفيه التعامل مع التسويق الرقمي حتى لا نقع في دوّامات الاحتيال التي تكاد أن تنتشر بسهولة وفي وقت وجيز.