القيادة الخدمية
يوسف بن عبيد الكيومي
مدرب القيادة الإدارية والقيادة التربوية
تهتم المؤسسات بدفع المبالغ الكبيرة لجذب المبدعين والمتميزين في المؤسسات المنافسة، فتضخ ما لا يستطيع غيرها تقديمه من أموال؛ لتوسع قاعدة المستفيدين من خدماتها عن طريق استخدام أنواع التسويق الجاذبة لمنتجاتها، وتضع الخطط والأساليب الموصلة إلى أهدافها؛ مما يضع المرؤوسين تحت أعباء ضخمة، ومراقبة مستمرة للأهداف الإستراتيجية والتشغيلية بالمؤسسة، لخلق جو عمل قادر على تحقيق أرباح كبيرة بغض النظر عن وضع المرؤوسين كونهم موظفين بالمؤسسة؛ مما يؤدي بالموهوبين والمبدعين ممن ينتمون للمؤسسة إلى البحث عن بيئات عمل أكثر اهتماما بنوعيتهم، وعلى الرغم من هذا فإن هناك أساليبَ وطرقا موجودة، تؤمن مستوى تنافسيا أميزَ، ولا يحتاج إلى ضخ مبالغا مالية على التسويق والتوسع للمؤسسة، وهذا يأتي من خلال ثقافة قيادات المؤسسة بالقيادة الخدمية.
ويعود السبب في ظهور مفهوم القيادة الخدمية لأول مرة لمؤسس حركة القيادة الخدمية (روبرت غرينليف) في مقاله “الخادم كقائد” بعد أن كان متشككا في سلامة أسلوب القيادة التقليدية الواقف على الاستبدادية بين صاحب العمل والمرؤوس. ورغم هذا فإن هذا المفهوم لا يعد حديثاً؛ حيث تم استخدامه بين البشر من عدة قرون.
القائد الخدمي هو: القائد الذي يتعامل مع المواقف في مؤسسته بأسلوب الخادم أولًا، وكل حضور له في أي موقف يُعد ملبياً لما تحتاجه المؤسسة وما يحتاجه المرؤوسون.
ويعد الهدف الرئيسي للقائد في القيادة الخدمية هو خدمة جميع المنتمين للمؤسسة كونهم موظفين، من خلال التركيز على المرؤوسين ووضع محاولات ناجعة لتحسين أوضاعهم الحياتية بدلاً من إعطاء جل الاهتمام للمؤسسة فقط؛ حيث لا بد من متابعة تحسن المرؤوسين وتقدمهم في مختلف المجالات المحتاجة إلى النمو مهنياً ومعيشياً وصحياً وفي غيرها من المجالات.
وتعطي القيادة الخدمية عدة طرق للقائد للوصول للمشاركة الأعلى في الفريق من قبل المرؤوسين، كما تقوي الثقة بين القائد والمرؤوسين والمرؤوسين أنفسهم؛ مما يساعد على زيادة الإبداع والابتكار في جو عملي مرح؛ لهذا فالقائد الخدمي يجعل من هذا الأسلوب نمطا قياديا يتبناه على المدى الطويل.
ومن الصفات المهمة للقيادي الخادم التي يعتمد عليها في قيادة المرؤوسين لتحقيق أهداف المؤسسة: الاستماع لمرؤوسيه، وتقديم الدعم اللازم لهم في تحديد القرارات، مع ضرورة معاملتهم باحترام وتقدير لمشاعرهم وتفهم فكرهم، يتصور القائد الخادم جميع نواحي العمل ويركز على الأهداف بعيدة المدى؛ مستبصرا بربط الأحداث السابقة بالوضع الحالي ليخطط للمستقبل، مع تحمل مسؤولية نمو المرؤوسين وتطورهم مدركاً بأن لكل مرؤوس منهم قدرات تفوق ما يقدمه خلال أدائه عملَه، وعليه أن يجاهد في بناء بيئة عمل تخلق التحاب والتآلف بين الجميع بمؤسسته؛ إيماناً منه بقيمة العمل الجماعي وقيادة فريق العمل المؤسسي ضماناً ملموساً لتحقيق الأهداف الخاصة بالمؤسسة والمنتمين لها معاً.
ولعل السلبيات التي تصاحب القائد الخادم في هذا النمط تتمثل في عدم قدرته على التصرف بشكل أخلاقي؛ مما يقلل ويؤثر سلباً في الدافعية لدى المرؤوسين وعلى الجو العام بالمؤسسة.
كما لا يمكن لجميع القادة استخدام هذا النمط القيادي ليكونوا خدماً؛ حيث بعضهم لا يجيد التصرف بالأسلوب الخدمي، كما أن شعور السلطة لدى بعضهم لا يغادره بل يتملكه، ولا يريد لغيره أن يصل إلى مكان مناسب يليق بما يقدمه في خدمة المؤسسة. يضاف إلى ذلك أن القرارات في هذا الأسلوب القيادي تأخذ وقتاً غير قصير يعد ضائعاً وخصوصاً وقت الأزمات، كما يولي بعض القادة لمرؤوسيهم مسؤوليات كبيرة، أكبر من إمكانياتهم الفنية والإدارية؛ فلا يستطيعون فعل شيء.
عموماً، فتحويل القادة نظرهم، وجعل كل تركيزهم من المؤسسة للمرؤوسين أو الموظفين؛ سيُسهم في إنتاج موظفين لديهم المهارة والموهبة المطلوبة، والابتكار المتجدد في مجال عملهم، مع تدفق حماسي دائم لا ينطفئ؛ مما يطور و يحسن في إدارة المؤسسة، ولعل من أبرز المؤسسات العالمية التي تنبت هذا النوع من القيادة شركة (جوجل) بوصفه نمطا تتبنى المؤسسة استخدامه كسياسة صداقة وتواصل بين المرؤوسين والقادة؛ مما أسهم في إيجاد إيرادات عالية للمؤسسة.