2024
Adsense
مقالات صحفية

ثلاثة أعوام مضت وذكراه خالدة

هلال بن حميد المقبالي

يناير الشهر الأول من كل عام ميلادي، هذا الشهر الذي يستذكر فيه المواطن العُماني ملحمة الحزن الوطنية التي وقف فيها الشعب أمام الشاشات مذهولًا وهو يستمع لنبأ وفاة قائده وسلطانه”.. “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي”. (الفجر 27: 30). بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وببالغ الحزن والأسى ممزوجين بالرضا التام والتسليم المطلق لأمر الله، ينعى ديوان البلاط السلطاني المغفور له بإذن الله تعالى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور المعظم الذي اختاره الله إلى جواره..”.

هذا النعي الذي ألهب قلوب الجميع في أرض عمان، لتهب عمان بأكملها تمشي خلف نعش قائدها الراحل السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-، كما كانت تمشي خلفه في بداية تسلمه مقاليد الحكم. أي حزن ياتي به هذا الشهر؟! فمع بدايته يبدأ المواطن العماني يستذكر أيامه العشر التي جاء فيها نبأ وفاة باني عُمان الحديثة، ملهم الشعب، وموحد البلاد، المؤلف بين القبائل تحت راية واحدة، حاقن دماء التناحر والتشاحن القبلي.

لا تكاد تمر هذه الذكرى إلا وحديث العام هو الترحم على السلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه-، ثم تتبعها حكايات وأحاديث تستذكر ما كانت عليه عُمان قبل عام 1970 تلك الحقبة المظلمة التي كادت تنخر البلاد من جراء تفشي الجهل والفقر والحروب القبلية، والثورات الانفصالية في الجنوب التي كادت تمزق الخارطة العمانية؛ لولا اعتلاء سدة الحكم هذا الشاب الذي لم يتجاوز عمره الثلاثين عامًا، و الذي نظر إلى عُمان وشعبها نظرة الأب إلى أمه وأبنائه، فحارب مع صفوف الجند، وشارك القبائل موائدهم ومجالسهم، وزار المرضى واطمأن عليهم ودعى لهم بالشفاء؛ هكذا ورّث القائد حب شعبه.

من عايش وشهد تلك الفترة الزمنية الانتقالية يعرف -جليلًا- كيف كانت عُمان وكيف وصلت وارتقت؛ لم أكن ممن عاشر تلك الفترة الانتقالية، ولكني قرأت ذلك في عيون والدي -رحمهما الله تعالى-، وسمعت منهما؛ حيث كانا يرويان لنا الكثير والكثير من القصص التي حدثت وقامت عليها الحروب التي أفنت العديد من الشباب، وهجرت بعضها الآخر، حتى جاء نبأ تولي السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- مقاليد الحكم، والذي بتوليه تغيّر كل شي، وزالت الغمة التي كانت تعلو سماء الوطن، وزالت ضبابية المواقف والصراعات القبلية، وحل السلام والوئام بين الفرقاء؛ وكأن الله اصطفاه في هذه المرحلة؛ لينتشل شعبها الكريم الوفي الذي امتدحهم الرسول الكريم محمد ﷺ حين قال: ” لو أنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ ما سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ”. مسلم(2544)، فعمر البلاد وأنشأ المدارس والمستشفيات والكليات، وبنى المؤسسات الحكومية التي سخرها لتخدم الشعب وتنمي وتبني الوطن.

هنا يطول الحديث عما أنجز في عُمان في عهده الميمون المبارك، ولا تزال شواهده ظاهرة، ولا يختلف عليها اثنان.

كما أنه -رحمة الله عليه- كان حنونا رحيمًا محبًا لشعبه وفيًا لوطنه، فقد عاش الشعب في ظل قائده السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- منعمًا بالخير، لم تمس كرامته أو معيشته بشيء على الرغم من صعوبة الوضع آنذاك، بل عاش حياةً كريمةً مرفهًا، تعلو هامته علو السماء كرامةً ورفعةً ومجدًا، فكان ذاك التآلف النادر بين الحاكم وشعبه.

ها نحن اليوم نستذكر يوم رحيله الذي يصادف العاشر من يناير، ذلك اليوم الحزين الذي أيقظ عمان من شمالها وجنوبها، شرقها وغربها، نستذكر ذلك اليوم وعيوننا تملؤها الدموع؛ حزنًا على فقيد الوطن يتساقط على أرض عرفت رجلًا لن يماثله رجل، والذي قال عنه جلالة السلطان هيثم -حفظه الله-:”أعز الرجال وأنقاهم”. وهو –حقًا- خير الرجال وأنقاهم.

لن ينسى الوطن ولا المواطن ذكرى ذلك اليوم التي خيمت فيه ظلمة الليل، وظلمة وحشة الفقد، وظلمة الغيوم التي غطت سماء سلطنة عمان، وكأن هذه الغيوم سخرها الله لتدمع حزنا مع دموع الشعب العماني.

إن ذكرى السلطان الراحل قابوس -طيب الله ثراه- ستظل -مهما طالت بها الأزمنة- راسخة في ذاكرة الشعب العماني والشعوب الأخرى التي طالتها اليد السخية للسلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights