هل لديك أيّ اعتراض؟
شريفة بنت راشد القطيطية
كانت تملأ الوقت في جدار الصمت، كانت ما تزال عالقةً بين سماءٍ وأرض، ويتناثر من أشلائها العشق، كانت تأتي كلّ يوم من خرافات الوهم وأدغال الحقيقة، تعدّت مرحلة اللاوقت، وتخاصمت مع عواقب البعثرة وأصيص الأماني المخبّأ بين نهاياتٍ مهمَلة، كانت بين سطرٍ وسطرٍ ترسم جُملاً وعوارض وأبنية من الفخار، وكانت كل يوم تروي حكايتها للّيل وموانىء الفجر، النقطة التي حوّلت أرضية الذات إلى مخابز لا تهدأ، وأصوات الباعة وخراطيم الدهشة وحواري العرق، هي نفسها التي حوّلت جولة في الأنين إلى مراقص لا تهدأ، من عراقيل الأيام ودموع الألم ورعشة الاشتياق، هي نفسها من تخنق الروح، وقت الذكريات، وتعبّىء ملامحك في ورقة بيضاء ملأها الشوق فأثمرت قصة.
كانت متوحشة لدرجة أن المنام متواطىء مع الأحلام؛ يؤرقها ويتخذ من جسدها غابة للدماء، كانت تعاود الاتصال بالوقت لتسعفها السنين، وتحدّ من مَسار الألم في غمام السلام، الوقت، ذلك المحتال الذي يسرق العمر، ويجعله عُرضةً لانتهاك الفزع لمواسم ألَقك، يطمس الروح في قوافل الشتاء التي تحدّ مسارها صحراء باردة، وشمس خجولة، هو نفسه من يتٱمر لخلق مشاكل أكبر في قلب المساء، كي لا تورّق الأحلام، ولا يلمّ بعثرته في سفوح جبالٍ تحتضن معارك الليل، واحتفالات الغسق الذي عاد ليكون حمام السلام، كانت كل صباح تقلع عين الليل، وتشدّ على أوتار قيثارته المتّخذة من المساء حرباً أبدية، شهداؤها الأوفياء.
كانت تنحت اسمكَ بين القلب والرئة، وتشقّ طرقاً للاحتفال، وتأتي بمواسم الورد وتشرق شمسك في ضباب العمر، كانت كمن يسارع في إنبات حبٍّ توهّج وتعمّق في الروح، وتعدّى القوانين وأخرس كل ممنوع، وأحضر حوضاً من الشموع وأثلج الحاضرين للاحتفال، لتبقى أنت بين ألوان الطيف تزيّن حياتها بالألوان، كانت تحتشم بإضاءة الحجاب، وتحمل سلّة الأزهار، وتغريك للوهج في وضح النهار، وكانت لا تقول إلا سلاماً، ولا تنهل إلا عينيك، اليوم صارت كمن لا حديث له ولا قلب له ولا أمانيّ ولا جموح، تعقد ظفائر الوقت وتعود للنوم، وترمي سلة الأزهار في البحر وتعود للنوم، وتلعب لعبة الاختفاء وتعود للنوم، هل لديك أي اعتراض؟
كانت لا تُعير اهتماماً لأيّ حكمة، واليوم تمثّلها كلّ الحِكم، ويتداولها المساء وتغريدات العشق، يأتي الصمت مجرماً ويدمي القلوب، ويشنق العبرات، ويحدث احتلال، ويتقصّى خبر وفاة الوقت، ويدفن الساعات والدقائق تحت ممرّ القلب وجسر الشرايين، الوقت ذاته الذي أخرس العمق وأطفأ الحماس وأجلى الفؤاد بلحن الحرمان، والأيام تعود كأيّ مفلسٍ ليس لديه جيوب وليس لديه المال، وتعود باسمةً دون حياء، فلا يهمّها الوقت ولا العشق ولا الحكمة، رسمنا القلب على جدار النسيان، ألا يكفي ذلك؟ علقت القلوب وغسلها المطر وتوارثها الصمت، كانت تمرّ على الطرقات تبحث عن براءة الحياة من ذنب القلوب القاسية وتعود لترسم قلباً من الأزهار على العشب الأخضر.