أحداث ما بعد التحرير العماني ّ من الاحتلال الفارسي
أحمد بن علي المقبالي
الجزء السابع والأربعون:-
استعرضنا في هذا المقال أسباب الفشل الفارسيّ في احتلال عُمان.
الجزء الثامن والأربعون:-
كان عن الآثار السلبية في المجتمع والدولة العمانية بسبب الاحتلال الفارسي.
الجزء التاسع والأربعون:-
مقالنا اليوم إن شاء الله تعالى سيكون الأخير من سلسلة المقالات المخصصة عن حقبة اليعاربة، ونتناول فيه الأحداث التي وقعت في الإقليم العُماني بعد تحرير عُمان من الاحتلال الفارسي.
– عندما حرّر الإمام أحمد بن سعيد عُمان من آخر جنديّ فارسيّ على أرضها، حصل على البيعة العامّة عام ١٧٤٩ م، فمضى إلى بقية المدن في الداخل العُمانيّ للحصول على البيعة، لكي لا تعود الاضطرابات الداخلية مرةً أخرى.
– وصل الإمام إلى الرستاق، فسلّمت وبايعته، وكذلك مدينة سمائل، ثم مرّ بإزكي فأذعنت، ونزوى رحّبت وبايعت، ثم اتّجه إلى بهلا فأطاعت هي الأخرى.
– باركت جميع المدن انتخاب الإمام أحمد وشكروه على تحريره لأرض عُمان من الاحتلال الفارسي، ووصل الإمام إلى سمد الشان، وكان الوالي فيها محمد بن سليمان اليعربي الذي ولّاه عليها الإمام سلطان بن مرشد اليعربيّ، فسلّم المدينة للإمام، فولّاه حصن نخل، فمضى محمد بن سليمان وتسلّم الحصن كما أمره الإمام أحمد.
– بعد أن استتبّ الأمر للإمام في عُمان من أقصاها إلى أقصاها، بدء على الفور عملية إعادة الإعمار للمدن التي تعرّضت للاحتلال الفارسيّ، والتي تهدّمت بيوتها ونُهبت ممتلكاتها لدرجة أن الأهالي نشبت بينهم المنازعات لعدم تمكّنهم من معرفة وتمييز مواقع بيوتهم لكثرة ما أصابها من الخراب.
– أمَر الإمام الولاة بإصلاح ما تهدم من تلك البيوت وأن يُسكِنوا أصحابها فيها، فأصبحت البلاد عماراً بعد الخراب.
– تميّز حُكم الإمام أحمد بعدم تعرّض البلاد لأيّ عدوانٍ خارجيّ، ولكن القبائل العمانية عادت لإثارة الاضطرابات مرة أخرى، وهذا ناتجٌ عن محاولة اليعاربة استعادة السلطة، فقاموا بسلسلةٍ من التمرّدات والحروب الأهلية، رغم محاولة الإمام أحمد توطيد العلاقات معهم، وذلك بزواجه من ابنة الإمام سيف بن سلطان اليعربي، وكذلك ترك بعض المناطق في أيديهم حتى لا يكون في أنفسهم بأنّ الإمام أحمد اضطهدهم.
– كان موقف رجال الأسرة اليعربية سلبياً منذ انتخاب الإمام من قِبل علماء وشيوخ الباطنة عام ١٧٤٤م، وهذا موقفٌ طبيعيٌ بالنسبة لرجالٍ فقدوا سلطتهم وليس لديهم من الرجال من يضاهي مواصفات الإمام أحمد بن سعيد.
– حرّض رجال اليعاربة الإمام اليعربي المخلوع بلعرب بن حمير، وأخذوا يرّغبوه إلى قيادتهم وتجديد بيعته لاستعادة الحكم والإمامة.
– أخذ رجال اليعاربة بإغراء بلعرب تارةً بالمال والرجال وتارةً باللوم والتأنيب، وذهب أكابر اليعاربة إلى بلعرب بن حمير وهو يومئذ في بلدة البزيلي الواقعة في الظاهرة فقالوا له:-
(لِمَ تركتَ هذا الأمر لغيركم وهو لكم؟ فإنك قد حاربت عليه سيف بن سلطان اليعربي وهو أقرب الناس إليك نسباً، فما أغمدت السيف عنه، فلِمَ أصبحتَ اليوم بعد العزّ ذليلاً؟).
– أجاب بلعرب بن حمير اليعربي قومه على ما أرادوا، ونزل تحت ضغطهم الشديد عليه، فاستجاب لهم وخرج معه من مراكزهم الرئيسية في الحزم ونخل جيشٌ مقداره ما بين أربعة إلى خمسة آلالاف رجل، كما ساندته جميع مراكز اليعاربة في عُمان قاطبة.
– استمرّ الصراع بين بلعرب بن حمير والإمام أحمد بن سعيد حوالي خمس سنوات، من عام ١٧٤٥م – ١٧٤٩م.
– عام ١٧٤٩م قرّر الإمام أحمد القضاء على خصمه بشكلٍ نهائيّ، وذلك لتلافي اتساع رقعة الانقسام الحاليّ وعودة الأمور لسابق عهدها من تمزّقٍ وتشرذم، فأمَر والي سمد الشان عبدالله بن محمد البوسعيدي ليجهّز له جيشاً من القبائل الهناوية في الشرقية وجعلان وتمّ له ذلك.
– جعل الإمام قائد الجيش ابنه هلال، الذي التقى مع جيش بلعرب في معركة فرق نسبة إلى القرية التي وقعت فيها المعركة، ودارت بين الطرفين رحى معركةٍ عنيفة، انتهت بمقتل بلعرب بن حمير اليعربي وهزيمة جيشه هزيمةً ساحقة.
– بعد معركة فرق لم يستطع اليعاربة معارضة الإمام أحمد إلا في بعض الحوادث البسيطة الأخرى، كما تمرد ابنا الإمام سيف وسلطان على حكمه، ولكنهما كانا يفشلان في كل مرة.
– في هذه الأثناء شارك في التمرد الشيخ صقر بن رحمة القاسمي، وحاصر الرستاق بثلاثين ألف رجل، والقواسم من الحلف الغافري، وفي هذه الأثناء كان الإمام في مسقط، وعندما علم بالأمر رجع إلى الرستاق، ولكن الشيخ رحمة عندما علم بتوجّه الإمام أحمد إليه لم ينتظر وإنما رجع إلى رأس الخيمة.
أوضاع المقاطعات العُمانية في أفريقيا
– عند استلام الإمام أحمد بن سعيد السلطة في عُمان وانتقال الحكم من اليعاربة إلى البوسعيد، قام الولاة العمانيون الذين عيّنهم اليعاربة في المقاطعات الأفريقية بإعلان التمرد على السلطة المركزية في الرستاق، ومنهم والي ممباسا محمد بن عثمان المزروعي الذي أعلن انفصال المدن الأفريقية عن الوطن الأم عُمان.
– أدرك الإمام خطورة ما قام به والي ممباسا المتمرد وتحدّيه الصارخ للسلطة الجديدة، والذي سوف يفتح الباب على مصراعيه لحدوث انقسامات أخرى إن لم يتمّ القضاء على هذا التمرد بأسرع وقتٍ ممكن.
– قام الإمام بإرسال قوة مقاتلة تحت قيادة سيف بن خلف لمدينة ممباسا، وبعد القيام بالكثير من الخدع السياسية والاستخباراتية، تمكنت هذه القوة من القضاء على تمرد محمد المزروعي وقتله، كما تمّ إلقاء القبض على أخيه علي وزجّ به في السجن.
– عام ١٧٥٤م تمكن علي بن عثمان المزروعي من الهرب من المعتقل بمساعدة بعض الموالين لأخيه الوالي في القلعة، كما قام وبمساعدة بعض القبائل الأفريقية الموالية لهم بمهاجمة قلعة المدينة التي يتحصن فيها والي الإمام، والذي قُتل مع من معه من الجنود وعادت الأمور لسابق عهدها، وهذه الأحداث المؤسفة شجّعت النباهنة على إعلان الاستقلال بجزيرة باتا، كما انفصلت بعض المدن الأخرى عن السيادة العمانية مثل مقديشو وبراوه ولامو وغيرها.
– بينما ظلّت بعض المدن الأخرى على تبعيتها للدولة العُمانية مثل زنجبار التي ولّاها الإمام لعبدالله بن جاعد البوسعيدي، وهو قائد القوة العسكرية التي بعث بها الإمام إلى زنجبار لتثبيت الحكم العمانيّ فيها.
– حاول المزروعي السيطرة على زنجبار، فأرسل حملةً بحريةً بقيادة مسعود بن ناصر، وقد تمكنت هذه القوة من الاستيلاء على أجزاءٍ من الجزيرة، ولكن الإمدادات المستمرّة التي كانت تصل إلى والي الإمام أفشلت المحاولة التي ذهب المزروعي نفسه ضحيّتها، فعاد جيشه متقهقراً إلى ممباسا.
– ظلّ تمرّد المزاريع مستمراً ولم ينتهي إلا في زمن حفيد الإمام أحمد السيد سعيد بن سلطان الذي تولّى الحُكم في عام ١٨٠٦م بعد اغتيال والده في جزيرة قشم.
– لم يؤّثر تمرّد المزاريع على العلاقات التجارية مع أفريقيا، بل استمرت السفن ذهاباً وإياباً، ولذلك اهتمّ الإمام أحمد بتدعيم الوضع الداخلي للدولة العُمانية وترك الأمور على حالها، إذ لم تهدد بشكل مباشر الوضع الأمني في عمان.
– شهدت فترة حكم الإمام أحمد استقرار الوضع الداخلي لعُمان وازدهاراً اقتصادياً.
توفي هذا الإمام الكبير في يوم ١٥ ديسمبر عام ١٧٨٣م .
وبهذا نختتم ولله الحمد والمنة هذه السلسلة الطويلة من المقالات عن الحقبة اليعربية وسوف نتطرق إلى مواضيع أخرى إن شاء الله تعالى.
المصدر :-
– عمان في عهد الإمام أحمد بن سعيد ١٧٤٤ – ١٧٨٣م
المؤلف :-
فاضل محمد عبدالحسين جابر