تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

فرصتك.. اغتنمها أو اصنعها

د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل /mohamedaziz@unishams.edu.my
mohammadaziz1974@yahoo.com

“الفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة” جملة سمعناها كثيرا، ومنا من آمن بذلك فأولاها اهتماما واستغلها، ومنا من لم يؤمن بذلك، ورأى أن الفرص كثيرة وتتوالى مع مرور الزمن، وإن لم تأتِ فيمكن صناعتها، ولكل معتقداته وسياقاته وقياساته، المهم أن يسلك كل واحد مسلكه الصحيح نحو تحقيق ما يصبو إليه حال وجود فرصة تناسبه، أو يعمد إلى صناعتها من خلال شجاعته وذكائه وإبداعه.

وكم من فرص في حياتنا غيرت مجراها، وبدلت حالنا من حال لحال! سواء في السراء أو الضراء، ولو أمعن كل منا في عمره لرأى نعم الله تعالى عليه تجلّت.. وتتجلّى.. وسوف تتجلّى..، يبقى فقط الرضا والإيمان بعطايا الله تعالى وقضائه وقدره امتثالا لما رواه زيد بن ثابت –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:”وتعلَم أنَّ ما أصابَكَ لم يكُنْ لِيُخطِئَكَ، وأنَّ ما أخطأكَ لم يكُنْ لِيُصيبَكَ”. (الذهبي: 8/4212)، فكل شيء مقدر ومكتوب؛ ومع ذلك نسعى ونجدّ ونجتهد لعل فرصة يرزقنا الله تعالى بها؛ فتغير حالنا وتبدل شئوننا، وننال بها الخير الكثير الوفير امتثالا لقوله تعالى:”وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى”. (النجم:39: 41).

وقد تكون الفرصة موجودة أمامنا وتحيط بنا، لكن.. ليست عندنا بصيرة لرؤيتها وإن كنا مبصرين! أو محاولة صناعتها، فهناك فرص لا تراها العيون وهي قريبة منا!! وكانت تتطلب منا سعيا نحوها نتلمسها نتلقفها..، وأنى لنا هذا ونحن لم نستشعرها؟!

وقد ينصرف معنى الفرصة إلى المادية التي تؤثر في تغيير حياة الفرد من حيث سبل معيشته عامة، وكذلك هناك الفرصة المعنوية التي تعلو بالنفس وتطورها وتسمو بها نحو الأفضل، وقد يكون أثرها فعالا أكثر من الفرصة المادية؛ لأن بناء النفس والارتقاء بها دافع إلى السعي نحو ملاقاة الفرصة المادية حال استشعارها وترقبها.

وكذلك هناك فرص يمكن صناعتها من خلال حسن التفكير، والإصرار، والعزيمة، والإرادة، والشجاعة، والقراءة لكل ما حولنا، والإقدام نحو بناء النفس، وحسن قراءة المستقبل والتخطيط له، وتغيير نمط الحياة، والبعد عن الأصدقاء المحبطين، ومصاحبة النشطاء المبدعين المستفزين أنفسهم لصناعة فرصهم.

حقا، إن للفرص أثرا فعالا وكبيرا في حياتنا خاصة إذا نظرنا إليها كونها الأخيرة لنا، فمثلا ونحن على أعتاب قدوم شهر رمضان المبارك –أعاده الله علينا وعليكم وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات- قد تكون فرصتنا الأخيرة لتجديد التوبة والرجوع لله تعالى وإصلاح النفس وتهذيبها، والابتعاد عن نواهيه وامتثال أوامره؛ لعلنا نفوز برضوانه سبحانه وتعالى، ولو نظر كل منا إلى كون شهر رمضان فرصته الأخيرة فسوف يخرج منه وقد غير الله حاله إلى أحسن حال، ولا يتأتّى هذا إلا من خلال السعي الدءوب نحو التغيير للأفضل، والتحلي بالأخلاق الرمضانية طوال العام، وليكن شهر رمضان المقبل-إن شاء الله- فرصتنا الأخيرة، وأجْدِر بها فرصة!

وفي داخل الأسرة يتجلى الأمر جليا عندما تحدث مشكلة بين الزوجين أو بين الأبناء أو غير ذلك، فنجد من يهبه الله تعالى رأيا سديدا وطَرْحا مفيدا؛ فيقول: خذوا نفَسا طويلا..، أعطوا أنفسكم فرصة أخيرة..، تراجعوا خطوة للوراء..، أعيدوا ترتيب أوراقكم وأولوياتكم.. وهذا-في حقيقة الأمر- شيء راقٍ وجميل، والأجمل منه أن كثيرا منا تغيّره الفرصة الأخيرة، وما أحوجنا إليها خاصة داخل أسرنا!، ولو تدبرنا الأمر بهذا المفهوم وتلك الرؤية؛ لجنبنا أسرنا كثيرا من أمراض أصابتها ونهشت بنيانها ففككته وهدمته، ولم يعد بنيانا مرصوصا.

وفي مؤسسات العمل عامة نسمع فلانا يقول: سبحان الله! جاءت فلانا فرصة أخيرة ففعل كذا وكذا، وآخر يقول: أعطاني مديري فرصة أخيرة لتغيير كذا وكذا، والحمد لله تغيرت وتغير حالي للأفضل، وآخر يقول: لقد صنعت فرصة كذا وكذا وفعلت أشياء كثيرة لم أكن لأفعلها من قبل وهكذا، وما أكثر فرص العمل التي قد ترفع أقواما وتبدل حالهم لأحسن حال! وإن أحسنوا استغلالها نهضوا بأنفسهم وبمؤسساتهم؛ ومن ثَمَّ يتطور العمل ويرتقي بهم، وبخاصة صانعو الفرص.

فرصتك الأخيرة قد تأتيك وأنت في غفلة منها، فإن لم ترقبها تلقّفها غيرك، فكن يقظا دائما؛ فالحياة لا تعرف الغافلين النائمين غير المنتبهين، ولتكن كبيرا؛ كي تكون فرصتك أكبر، وما تطلبه ستجده وأكثر، انهض.. واسعَ.. واعمل.. واجتهد.. واغتنم فرصتك فقد تكون الأخيرة، وكن على يقين أنها إن لم تأتك فأنت صانعها.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights