رَســائـِـل فُـــؤَاد_ ج_١٢ -نيّتك الحسَنة راحة حياتك
فؤاد آلبوسعيدي
انتبه!! ولا تستهن بما يمُرّ عليك في أيامك من أمور ووقائع وأحداث، مرور الأيام سيكسبك العلم لمعرفة كيفية التعامل مع شؤون حياتك، ويلهمك الخبرات التي تلزمك لمعرفة معادن النّاس وأخلاقهم الذين ستتعامل معهم؛ كلما مضت الأيّام تعلّمنا وعرفنا أنّ مصير بعض الأمور هو أن تظلّ باقية وعالقة معنا في أذهاننا لفترات قد تطول، وذلك بعد أن نقوم بها أو بعد أن تحدث لنا، فتكون فيما بعد وفي بعض الأحيان كصراعات موجية تأتي وتذهب كيفما تشاء، فتؤرق أفكارنا وتنهك لحظاتنا الخاصة التي كان بالإمكان أن نستفيد منها في جوانب أخرى تمنحنا الفائدة العظيمة، وربّما أمور رائعة نتمنّاها كان مقدّر لها أن تكون مُجزلة بفوائدها، وزاخرة بالإنتاجية النّافعة لنا ولمن حولنا في بيئتنا ومجتمعنا.
على الرّغم من أنّنا نحن البشر -بطريقة عفوية- قد نفعل أموراً يكون قصدنا منها تحقيق المنفعة لنا أو ربّما للآخرين؛ فإنّنا في غالب الأوقات ننسى بأنّ العقول التي ندير الحوار معها قد تختلف عنّا، والأفكار التي نبادلها ونشاركها غيرنا قد نراها تتفاوت عن أفكارهم، وكذلك قد نتناسى بأنّ مقادير الرّضى بين البشر ليست متساوية أبدًا؛ فعلى الرّغم من عمل الخير الذي نودّ القيام به ونرغب في تحقيقه فإنّنا نغفل أحيانًا بأنّ إرضاء النّاس جميعًا بفكرةٍ أو بقولٍ أو بفعلٍ طرحناه عليهم غاية صعبة إدراكها حتّى وإن ملكنا كلّ وسائل إرضائهم في كفوف أيادينا.
لهذا، يجب عليك أن تتذكّر ذلك الأمر دائماً في كلّ ما تحاول أن تقوم به في سبيل تحقيق صالحك أو صالح غيرك الذي تعيش معه، وعليك أن تضع فكرة تفاوت الرّضى والقبول في مخيّلتك دائماً عندما يتعلّق الأمر بأولئك الذّين بحسب منظورك أن تقوم بتقديم الغالي والنّفيس والنّصح والإرشاد مهما اختلفت طريقتك وأسلوبك في تقديم ذلك؛ فمرور الأيّام سيُجبرك على التذكّر بأنّ هنالك مِن بعضهم مَن يعتبرك مخالفًا ومناقضًا لما يراه مناسبًا له حتّى وإن كانت نيّتك ومقصدك في عملك وفعلك حسنةً وطيّبة، ومن أجل أن نختصر السّطور، ونوجز لك الحروف، وحتّى لا تفقد لذّة الشّعور بالرّضى والسّعادة تجاه أعمال الخير التي تقوم بها بحسب قدراتك وخبراتك وفي نطاق أفكارك التي تحملها؛ يجب عليك أحيانًا أن تأخذ بالحكمة المصرية المشهورة التي تقول (اعمل الخير وارميه في البحر)، أو ربما المطلوب في بعض الأوقات أن تأخذ بالمقولة التي يتداولها الشباب، والتي في كثيرٍ من الأحيان يكون تناقلها بينهم على سبيل الدُّعابة والمزاح (أهم شيء النّية).
إنّ ما نـكتبه ونـقوله ونفعله في كثيرٍ من الأحيان قد يُـناقض مبادئنا وعاداتنا ومفاهيمنا التي تعوّدنا عليها، والتي نكون قد بتنا نتقن في إظهارها للآخرين بصورة معبّرة تكاد تكون في ظاهرها صادرة عنّـا بطريقة عفوية وتلقائيّة، إنّ حدوث مثل تلك الأمور ربّما سيجعل الآخرين يصفوننا ويلقبوننا بالمتناقضين، بعضهم كذلك -للأسف- قد يتحدّث من وراء ظهورنا بالسّوء علينا، وربمّا قد نسمع أحدهم وهو يقول عنّا:..(هو يفعل ما لا يقوله أو هو يقول ما لا يفعله)، ومراد بعضهم قد يكون فقط من أجل بثّ روح الهزيمة أمام عزيمتنا وربّما الغرض هو إضعافنا أمام مبادئنا التي نؤمن بها؛ لهذا عندما تتواجه مع هذا الصّنف من النّاس عليك ألّا تخشى من ردّات الفعل السّلبية التي قد تسمعها، أو ربّما تلك التي ستشاهدها أمامك تجاه أقوالك أو أفعالك التي قد لا تروق للآخرين، وربّما بعضهم قد لا يروق لهم ما تقوله وما تفعله وما تُنجزه؛ فيجب عليك أنْ تعلم بأنّ هناك من يمتهِن حبّ الانتقاد لكلّ ما يراه، واعلم بأنّ بعض البشر مزروع في عقليّاتهم الحسد والحقد لكلّ ما يراه الآخرون جميلاً، فعليك ألّا تثبّـط عزمك تجاه ما تراه راقيًا وصائبًا من مبادئ تسير على نهجها، وعندما تجابه أولئك البشر أحيانًا عليك فقط تجيبهم وتردّ عليهم..( نعم، إنّي أقوم بنصحكم وأعلم جيداً بأنّ أفعالي الظاهرة تناقض أقوالي؛ أنا لستُ متناقضًا بل أنا فقط قد حاولت أن أفعل ما هو صائب، وأن أكون مثاليًا كما ينبغي أن أكون، ولكنّني -للأسف- لم أستطع؛ ولذلك أنا لا أريدكم أن تقعوا في نفس ما أنا واقع فيه).
إنّ المواقف التي تمرّ علينا في بعض أيامنا تُظهِر لنا بأن بعضهم أحيانًا يتوهّم بعدد الألوان التي قد يراها، فتظهر جمال ما يشاهده بعيدًا بعينيه، ولا يعلم حقيقة ما يراه إلاّ بعد الاقتراب كثيرًا ممّا يشاهده، إنّ المظاهر والشّكليات خدّاعة، وهي في مثيلها تكاد تكون كبعض الأقوال والأفعال التي تنعكس من حولنا؛ فنحن أحياناً وفي كثير من الأحيان قد نتحدّث عن أمور لا تمثّلنا أو لا تعني الكلمات التي نقولها، وقد نفعل من الأمور ما لا يُرادف طباعنا، وقد نفعل ذلك ليس لأنّنا نودّ الكذب أو مخالفة حقيقتنا التي تمثّل أخلاقنا وطباعنا، ولكن ربّما قد نقوم بذلك التوهُّم والخداع؛ لكي لا نؤذي الآخرين من حولنا، فقد نقوم بالكذب أحيانًا؛ لكي لا نفسد الأمور أكثر ممّا هي أصبحت فاسدة، وأصبحت أبدًا لا تُطاق ولا تسير على النّحو الذي يرضينا ويرضي الآخرين من حولنا.
ونحن نحادث الآخرين وربما حين نكتب لهم رسائل في طيّاتها تحمل بين فواصلها وحروفها حسن النيّة ودون أن يكون القصد ممّا نـكتبه أو نـقوله لهم أمراً قد يتسبّب بالضّرر لأيّ أحدٍ آخر، ونحن نفعل ذلك قد يكون الودّ والغرض داخل أنفسنا هو مشاركة الآخرين بما يدور في رؤوسنا من المشاعر والأفكار؛ ولكن للأسف، فهم الآخرين وإدراكهم تلك الأفكار قد يكون في الاتجاه المعاكس الذي قد يخالف أفكارنا ونظرياتنا، فنُـتّهم حينها بأمور نحن لسنا رفقاء لها ولا هي صفات صديقة لنا، أنت أحياناً ومهما فعلت خيرًا فإنّك ستجد الكثير من تلك الأصناف من البشر الذين قلّما قد يفهمون مشاعرك، ويقدّرون ما ستخبرهم أو ما ستفعل من أجلهم، بل ستجد بعضهم قد ينعتونك بالفيلسوف سخريةً وتهكّماً عليك؛ فيجب عليك أحيانًا ألّا تُحزن نفسك ولا ترهق بالك كثيراً من ردّات أفعال الآخرين وأقوالهم تجاهك، فبعضهم قد لا يعي أنّنا أحياناً نسافر مع أفكارنا وقد نغادر معها كذلك دون أن نفتح الحقيبة التي تحمل للآخرين هدايانا المجانية من الأفكار والمشاعر الطّيبة والصادقة المفيدة لهم.
سعادة القلب أحيانًا ونحن نتعامل ونتحادث مع الآخرين هي قبولهم الكلمات التي تخرج من منابض قلوبنا، والتي أردنا منها الفائدة الخالصة لهم؛ والنصيحة التي ستنفع بعضهم ونحن نقدمّها لهم وأساسها هي نيّتنا الطّيبة لأولئك الذين ننصحهم.
وختاما، نقول لمن فقد العزم وخـفّ عنه حماس النّصح أو عمل ما كان يعمله: ارتقِ بمبادئك التي تؤمن بها بين البشر، وحلّق بأخلاقك الرائعة عاليًا مثل الغيم التي تعلو في السّماء، واستمر في رقيّك حتى وإن خالفك الجميع؛ فيومًا ما قد يفهمك الجميع مثلما اليوم جميعهم يخالفون ما تراه مناسبًا بحسب نيّـتك الحَـسنة.