الرضا الوظيفي سلام داخلي
الدكتورة فاطمة بنت محمد الصالحية
قال تعالى: (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) سورة التوبة (72)
الرضا من الصفات والأخلاق الحميدة التي يتحلى بها الإنسان البصير والمؤمن، وهي صفة تجلب له الهدوء والتوازن النفسي، وتمكّنه من مكابدة الحياة والعيش فيها بأحسن ما يمكنه ذلك، فيكون فعّالاً نتيجة لتوازنه الداخلي وتسليمه لمجريات القدر، مع احتفاظه بعزيمته وإصراره وهمته.
والرضا ثمرة من ثمرات المحبة، وأعلى مقامات المقربين، وهو باب الله الأعظم، ومستراح المتقين، وجنة الدنيا؛ لأن الرضا يفرِّغ القلب لله، ومن ملأ قلبه بالرضا، ملأ الله صدره غنىً ومنًا وقناعة، ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى كلمة (الرضا) وصيغها في كتابه العزيز (73) مرة؛ لما لها من تأثير كبير على نفس الإنسان في تحقيق السلام الداخلي.
ويُعنى مفهوم الرضا الوظيفي بتحديد مستوى الحالة العاطفية والنفسية التي تقترن بطريقة أداء المهمات الوظيفية والتمركز في موقع العمل، كما يقترن بذلك الشعور الذاتي الإيجابي الذي يحمله الموظف أثناء أدائه لعمله، ويتحقق ذلك بالتوافق بين ما يتوقعه الفرد من عمله، ومقدار ما يحصل عليه فعلا في هذا العمل؛ وذلك لإشباع احتياجاته وتوقعاته في بيئة عمله.
إنّ معرفة الإنسان لذاته تغنيه عن العالم الخارجي، وتمدّه بالقوة الكافية لمواجهة جميع التحدّيات التي يمكن أن تواجهه في حياته بشكل عام، وفي مجال عمله بشكل خاص، فهي حالة شعور باطمئنان وراحة وسكينة من الداخل، كما تمكّنه من العيش في حالة من السلام تنسجم مع تكوينه الروحي والعقلي، ومع ما يكفي من فهمه ومعرفته للحفاظ على قوة النفس وثباتها في مواجهة أنواع الضغوطات كافة، وهنا يتحقق للفرد ما يسمى بالسلام الداخلي، حيث إن الفرد الذي يمتلك هذا الإحساس لا يشعر بالتوتر أو القلق، بل يشعر براحة بال وسعادة ورضا تام.
وإذا تحقق الرضا لدى الموظف مهما كانت طبيعة عمله، تحققت معه القدرة على التكيف مع بيئة العمل، والرغبة المستمرة في الإبداع والابتكار، بالإضافة إلى زيادة مستوى الطموح والتقدم، فالموظف الذي يمتلك الإحساس بالرضا الوظيفي يكون أكثر رغبة في تطوير مستقبله الوظيفي، وينعكس ارتفاع شعور الموظف بالرضا الوظيفي إيجابا ليس على مستوى الموظف فحسب، وإنما على مستوى مؤسسته من حيث ارتفاع مستوى الفاعلية والإنتاجية، فالرضا الوظيفي يجعل الموظف أكثر تركيزا على عمله، ويعزِّز لديه الرغبة في الإنجاز وتحسين الأداء، كما يؤدي إلى تخفيض تكاليف الإنتاج؛ لأنه يسهم وبشكل كبير في تخفيض معدلات التغيب عن العمل والإضرابات والشكاوي، وبالتالي ينتج عن هذا كله ارتفاع مستوى الولاء للمؤسسة.
وفي نهاية المطاف يحصد الموظف السلام الداخلي، والذي ينتج عنه إعادة تدريب العقل على التعامل مع الحياة كما هي، وليس كما يظن أنها يجب أن تكون، فتغلب عليه هالة من الهدوء والسلام النفسي والروحي، بالإضافة إلى التغيير في طريقة تفكيره وتحليله للأمور، كما يتحلى بالقدرة على تحمل ضغوطات العمل، وحل المشاكل والصعوبات المختلفة دون أن يفقد أعصابه أو يصاب باكتئاب أو يأس.
وأخيرا نقول: ليس لنا خيار في قدراتنا وإمكاناتنا، والشيء الذي لم نخيّر فيه هو لصالحنا في نهاية المطاف، حيث يكشف لنا الله عزوجل عن حكمته كوننا نمتلك وظيفة، وما نعلمه يقينا أن الذي قدّر لنا امتلاك الوظيفة هو الله، وعندما يتحقق الرضا فإننا نذوب في محبة الله …. (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) سورة يونس (10).
المراجع
– الشيخي، دلال (2021) السلام الداخلي – دار الوتر السابع للنشر والتوزيع.
– جورج، مايك (2015) تستطيع أن تجد السلام الداخلي- غير تفكيرك تتغير حياتك – مكتبة جرير.
– الزعبي، مروان طاهر (2011) الرضا الوظيفي- مفهومه طرق قياسه تفسير درجاته وأساليب زيادته في العمل – دار المسرة.
– حكيم، عبد الحميد (2009). الرضا الوظيفي لدى معلمي التعليم العام ومعلمي الفئات الخاصة من الجنسين “دراسة مقارنة”، جامعة أم القرى
– خليل، جواد وشرير، عزيزة (2008). الرضا الوظيفي وعلاقته ببعض المتغيرات (الديموغرافية) لدى المعلمين، مجلة الجامعة الإسلامية، مجلد (16)، العدد الأول 683-711.