تأملات في معالجة الضَّعف القرائي لدى أبنائنا
ميّاء الصوّافية
قال فولتير الكاتب والفيلسوف الفرنسي” لقد سئلت عن الذين سيقودون البشرية، فقلت: الذين يعرفون كيف يقرؤون”
من منظور ديننا الإسلامي الذي علمنا بأن القراءة في معناها الأولي هي الوصول إلى حقيقة الأشياء، وفهم طبيعة العلاقات فيما حولنا، و من قول ( فولتير) هذا يؤكد لنا بأن القراءة هي التي تصنع عالم أبناءنا، وتربطهم بما حولهم، وتحدد لهم مقاييس معروفة للتعايش مع حاضرهم، وللوصول إلى مستقبلهم.
إن الإنسان يعيش في عالم ملىء بالكثير من التفاصيل، ولا يستطيع ككائن حي أن يعيش بمعزل عن هذا العالم، وأن يؤطّر نفسه في عالمه الخاص فقط؛ فعالمه الحي يأتي من خلال تداخل الكثير من العلاقات لتكوينه؛ وعلى هذا فمن الجميل أن يُربَّى الإنسان منذ صغره على فهم هذا النظام الإنساني المزدحم بعلاقات متداخله، وأنظمة موجهة وأسس قد ترعى أرض نشأته، وتؤسس شيئا من قدراته.
إن الإنسان منذ الرضاعة والطفولة الأولى، أو عهد اللبانة كما يقولون تكون أسرته هي محيطه الأول، وبيئة تكوينه، والتي تبدأ معه بأول رابط له؛ وهو الرابط الذي ينعقد له بشكل فطري ألا وهو علاقته مع أمه أولا؛ فعلاقة الأمومة هي أول عالمه، وغرس لبذور قِيَمِهِ.
لنرى معا من خلال هذه التأملات التي (بلا شك) قد تحدث عنها الكثير، وكُتِبتْ فيها دراسات وأبحاث، وصيغت لأجلها النظريات، ولكن علينا أن نذكّر؛ فلعلّنا نؤثّر بفكرة، ونستحضر للغير شيئا قد غاب عنه.
كيف لنا أن نأخذ بأيدي أبنائنا ليكونوا متقنين مهارة القراءة، والتي بدورها ستصله بمحيطه، وبعالمه الأكبر؟
إن أول أساسيات تعلم القراءة، هو تعلم الأصوات الصحيحة في نطقها؛ فعندما يبدأ الصغار بإصدار أصواتهم الأولى فإننا نحاول أن نوجههم، ونعدل منها حتى يستطيعوا أن يُركِّبوا منها مفردات كلامية؛ ليستطيعوا التعامل بها مع محيطهم، و بالتالي يسهل عليهم التعبير عن رغباتهم وانفعالاته، وكذلك عن أنفسهم كأناس وجدوا أنفسهم في هذه الحياة مجبرين على التأقلم والتعايش بما يحقق لهم نموا سويا عقليا وطبيعيا وفطريا.
ومن الأشياء التي قرأت عنها، والتي تمهد الطفل لتعلم القراءة هي سماع الأم للقرآن، وذلك عندما يكون هذا الطفل جنينا؛ فمن خلال التجارب العملية المقاسة والمتابعة تبين أن الجنين يتأثر بما تقرأه أمه؛ وبما تسمعه من قرآن؛ ومن خلال المتابعة لوحظ أن المشيمة تفرز بعض الهرمونات التي تعمل على تهدئة حركة الطفل داخل بطن أمه، ومن خلال المتابعة لوحظ بأن الطفل سيكون هادىء الطباع منتبه للقرآن عندما يُتلى، وإن بكى سيهدأ، وحتما إن هذا سيعوِّده على الفصاحة والقراءة، وبالتجربة المشاهدة سمعت من إحدى الأمهات تقول بأنها كانت طوال الليل تُسْمِعُ ابنها القرآن من خلال أجهزة المواد المسجلة، وعندما كبر هذا الطفل أتقن حفظ جزء عم في صغره، والآن هو شاب حافظ لكتاب الله، ويؤم المصلين، وهذا (بلا شك) من أكبر العوامل لتهيئة الطفل للقراءة الصحيحة المنطلقة والمعبرة.
ويجب على الأم حتى يتسنى لابنها تعلم القراءة المعبرة أن تبتدىء معه بكلمات ترددها، وتكون من ضمن ألعابه كحروف مجسمه يحفظ تركيبها مثل: دب وقط… إلخ.
وحين ينتقل الطفل إلى رياض الأطفال فعليهم حينها أن يعلموه أولا أصوات الحروف، وحركاتها، وذلك بوسائل حديثة لتثبيت أول خطوات القراءة، وهنا من الضرورة بمكان أن يكون الطفل قد ألمَّ بأسس القراءة الأولية حين ينهي رياض الأطفال، ولا يكون الاعتماد الكلي على الأم فقط، ولا يكون الأهم في الموضوع هو إنجاز الواجبات للحصول على معدل تقييمي أفضل، بل علينا أن نركز على هذا الطفل الصغير، وأن نفتح له أبواب مستقبله بمفاتيح تعلم القراءة؛ فهي سبيل تعلم العلوم المختلفة.
وفي تعليم رياض الأطفال يعطى الطفل كَمًّا من المفردات، ويعوّد على نطقها وقراءتها، وإن واجه المعلم صعوبة في إعطاء كل طالب حقه من الثروة اللغوية المدروسة؛ فعليه حينها أن يقسم هذه الأعداد من الطلاب إلى مجموعات؛ حتى ولو كانت مجموعات ذات أعداد بسيطة؛ بحيث لا يمر أسبوع إلا وقد عرف الطفل نطق الحرف وكتابته، وقراءة مجموعة من المفردات كتطبيق عملي عليه، ويعوّد الطفل على نطق هذه المفردات لوحده، وتُعدّ له أنشطة قراءة في الحصة الصفية، وفي المنزل يتابع بتسجيل صوتي للطفل يقرأ فيها هذه الحروف، وأن يكون الوالدان معينين على القراءة، وليسا نائبين عنه لإنجاز هذه الأنشطة،فقط كمتابعة واعية، ويساعدانه كذلك بالممارسة؛ بحيث لو مر على لوحة في الشارع فيطلبان منه قراءتها.
وعليه أن يُشار إلى مخرج الصوت أثناء تعليم الطفل النطق به؛ لأن هناك أطفالًا ما زال جهاز النطق معهم في نمو، وعلى المعلم أن يجيد قراءة الصوت، ويكون بهذا أنموذجا حيا مدركا لما يعلمه والخطة التي يسير عليها.
وفي مراحل التعليم الأولى بعدما يكون التلميذ قد أتقن قراءة الحروف وكتابتها يُعطى قصصا بسيطة جدا مصورة بحيث تحتوي كل صفحة على سطر ويعقبها أسئلة بسيطة حتى يسير استيعابه على فهم المقروء، ويا حبذا لو تدور هذه الكتب على شخصية محورية أو شخصيات، ثم الطلب أن يلخصها بأسلوبه وعلى طريقته.
ومن الأشياء الجميلة والتي تعزز مهارة القراءة أن تكون هناك حصة دراسية، أو وقتا مستقطعًا من حصة في الأسبوع فقط يعرض الطلاب فيها قراءة لكتاب قد قرأوه في المنزل، ويعرفون به ويقرؤون بعضا منه …
إن من الأشياء التي تزيد متعة القراءة أن تكون النصوص القرائية المعروضة من قبل المعلم مرئية ومقرؤوه بصوت معبر؛ فهذا يحفز التلاميذ على المتابعة والاستيعاب.
كذلك الإذاعة المدرسية وأنشطة المسرح لو يسلط الضوء فيها على التلاميذ ضعيفي القدرة في القراءة، ولو بقيامهم لمشاهد بسيطة؛ حتى يزول عنهم العامل النفسي، وهذا يجعلهم يتشجعون للرقي بأنفسهم في مهارتي القراءة والكتابة.
ومن أسباب الضعف القرائي الحالية:
١. الاعتماد الكلي على الأم، أو الوالدين كليهما في إنجاز واجبات الطفل ومن الأفضل للوالدين أن يكونا موجهين في حل أنشطة طفلهما، والطفل عليه المتابعة الأولية والإنجاز النهائي، والتعود على قراءة أسئلة الواجبات؛ حتى يكون قادرا على فهم المضمون القرائي.
٢. الأم هي من تبادر بالسؤال عن الواجبات والأنشطة المطلوبة من طفلها؛ وذلك بسؤال أمهات زملاء ابنها في مجموعات( الواتس) التي تتشارك فيها معهن، و لا تكلف نفسها بسؤال ابنها عن الواجبات المطلوبة منه، وكان من المفترض عليها أن تعين له دفتر مذكرة صغير يكتب فيه أنواع الواجبات المطلوبة إن كان من النوع الذي ينسى؛ وتعوده أن ينجزها بنفسه أولا ثم يأتي دورها بعد ذلك لمتابعتها، وتوجيهه إلى الصواب.
٣. ازدحام المناهج الدراسية بالكم الهائل من الدروس والأهداف المعدة، وكان من الأفضل أن تقلص كمية الدروس في المناهج الدراسية؛حتى يتسنى للمعلم متابعة مهارتي القراءة والكتابة، وتطبيق الأهداف المنشودة للعملية التعلمية بكل أريحية؛ فقليل مفهوم خير من كثير غير مفهوم.
٤. نصاب المعلم من الحصص الدراسية كثير … فلا يجد متسعا من الوقت لمتابعة التلاميذ في مهارة القراءة.
قال بيل جيتس:” لقد كان لدي بالفعل أحلام كثيرة عندما كنت طفلًا، وأظن أن ذلك سببه بصورة كبيرة إلى أنني كنت أقرأ بكثرة”
نعم، فالقراءة تحقق الأحلام وتصنع جيلا للمستقبل؛ فبها يتعرف أبناؤنا على إمكانياتهم، وقدراتهم المستطاعة، وتروض أنفسهم على أشياء من الممكن لهم أن يتعلموها؛ فلنأخذ بأيدي أبنائنا؛ فهم عدة المستقبل، وعقول تُعَدُّ لاكتشاف الجديد، ولصناعة التغيير، وهم أمل الأمة للرقي بها نحو الأفضل.