الطاقة المتجددة في رؤية عمان 2040 : بين الواقع والطموح الجزء الثاني
د. حسين كاظم الوائلي
متخصص في الطاقة
أستاذ مشارك – جامعة صحار
تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال المحورين الأول والثاني وهما: المحور الأول: لماذا يفضّل استخدام الطاقة المتجددة في سلطنة عمان؟
والمحور الثاني: الطاقة والاقتصاد في سلطنة عمان. وخلصنا في الجزء الأول إلى أهمية ومحورية دَور قطاع الطاقة المتجددة في سلطنة عمان في تشكيل الاقتصاد العماني وتحقيق أهداف رؤية عمان 2040.
في هذا الجزء سنتناول المحورين:
الثالث: الطاقة في رؤية عمان 2040.
والمحور الرابع: دور البحث العلمي في قطاع الطاقة.
المحور الثالث:
الطاقة في رؤية عمان 2040. والحديث عن هذا المحور يتضمن ثلاث نقاط وهي:
النقطة الأولى: الأهداف والتحديات. إن قطاع الطاقة يُعدّ من أهم القطاعات وهو أساسي في برنامج رؤية عمان 2040، حيث أكّد البرنامج على ضرورة الارتقاء كمّاً ونوعاً بحصّة الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح، لتكون عاملاً رافداً للوقود الأحفوري بما يقلل من الاعتماد في الداخل العماني على استخدام النفط والغاز، وذلك لتصديره بهدف جلب الأموال الداعمة للاقتصاد.
لقد حدد البرنامج أهدافه من خلال تبنّي نهج التحوّل نحو الاقتصاد الأخضر واستراتيجياته في تطوير مشاريع البنية الأساسية للسلطنة، والتوجّه نحو وسائل الطاقة البديلة بما يعزز الاستدامة البيئية، والذي سيساهم في تحقيق الاستقرار وتخفيض القيود والضغوط على الإدارة المالية، ورفد الخزينة بمصادر تمويلية من خلال المصادر الطبيعية المتنوعة.
ارتأت الرؤية إلى أن تسهم الطاقة المتجددة بنحو 20% عام 2030 و35-39% عام 2040 من إجمالي استهلاك الطاقة.
هذه النِّسَب ستنعكس اقتصادياً بشكل واضح في الأعوام القادمة من خلال زيادة التصدير للنفط والغاز بما سيعود إيجاباً على الاقتصاد، وستكون الزيادة بشكلٍ تدريجيّ مع الوقت.
من جانب آخر هناك بعض التحديات من قبيل توفير السيولة المالية اللازمة لإنشاء المشاريع والتي تُقدّر بالمليارات. كذلك عملية اتخاذ الخيارات باتجاه هذه التكنولوجيا أو تلك، وهذا المكان أو ذاك، يتطلّب العديد من الدراسات الشاملة والدقيقة.
كذلك لا بُدّ من الأخذ بعين الاعتبار عامل التغيّر المناخيّ في الدراسات المرتبطة بالجدوى الاقتصادية بما يُنجح هذه المشاريع المستقبلية.
النقطة الثانية: مواضع القوة ومواضع الضعف وتأثيرها الاقتصادي:
إن مواضع القوة في استخدام الطاقات المتجددة تشمل توفّر المصادر الطبيعية بشكل كبير ومشجع كالطاقة الشمسية، حيث تصل إلى أعلى مستوياتها في المنطقة، وقد أثبتنا خلال العشرين سنة الماضية من خلال العديد من الأبحاث العلمية أن عمان ولا سيّما الشمال العماني من رأس الحدّ الى مسندم وللعديد من الأسباب تُعدّ من أفضل المناطق للاستثمار في الطاقة الشمسية مقارنةً مع باقي دول الجوار. لقد تم قياس الإشعاع الشمسي في مدينة صحار وكان في أعلى حالاته بواقع 955 واط لكل متر مربع مقارنةً بالإشعاع الشمسي عند طبقة الأتومسفير التي تبلغ 1000 واط للمتر للمربع.
أيضاً وجود مناطق ذات وفرة واستمرارية في طاقة الرياح كما هو الحال في ظفار والشرقية وغيرها يشجع على الاستثمار في طاقة الرياح.
إن وفرة الأجواء المناسبة والمساحات الواسعة يعدّ من نقاط القوة للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة.
ولا بدّ من الإشارة إلى مواضع الضعف لتكتمل الصورة، فنجد أن تأثير الغبار وارتفاع درجات الحرارة مع الرطوبة ذات تأثير كبير على تكنولوجيا الطاقات المتجددة لا سيّما الخلايا والسخانات الشمسية وتوربينات الرياح.
أيضاً في مجال التشريعات لا بدّ من المراجعة والتقييم والتطوير لغرض توفير بيئة استثمارية لحثّ رؤوس الأموال بالقدوم إلى عمان.
النقطة الثالثة:
الخطط الاستراتيجية لتحقيق أهداف رؤية عمان 2040:
إن الضرورة الاقتصادية لتحقيق التوازن بين متطلبات التنمية والاستدامة البيئية تؤدي إلى الانفتاح نحو استخدام الموارد الطبيعية لتصبح جزءً لا يتجزأ من قطاعات كثيرة كالطاقة والاقتصاد وغيرها، وهذا يتطلب أن يكون هناك تنوّع في البرامج الاستراتيجية طويلة الأمد وإجراء جميع الدراسات التفصيلية وأخذ الاحتياطات للتأكد من إنجاح هذه المشاريع.
وعلى سبيل المثال لا الحصر للمبادرات الجديدة والاستراتيجية:
التوجه نحو الهايدروجين الأخضر، أي توليد الهايدروجين باستخدام الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح وغيرها. وهو بحد ذاته توجّه يتماشى مع توجّه العديد من دول مجلس التعاون الخليجيّ كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وكذلك بعض الدول العربية كجمهورية مصر العربية والعديد من دول العالم حتى في ساحل الجنوب الأفريقي، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أسعار الهايدروجين اليوم بين 4 إلى 6 دولار أمريكي للكيلوغرام مع توقعات المنظمة العالمية للطاقة بانخفاض الأسعار الى 1.5 دولار للكيلوغرام للفترة 2028-2030.
وهنا لا بد من التنويه إلى ضرورة التأكد من وجود أسواق لشراء الهايدروجين العماني، وكذلك لا بد من إجراء دراسات تفصيلية تأخذ بعين الاعتبار التأثيرات المناخية على أداء المنظومات الشمسية التي ستكون قريبة من الساحل، وأخيراً التأكد من خلال الدراسات أن لا تكون المواقع المحددة لإنشاء البنية التحتية لهذه المشاريع الاستراتيجية غير معرضة للأعاصير خصوصاً أنها قريبة من الساحل.
والمحور الرابع:
دور البحث العلمي في قطاع الطاقة:
وقبل الخوض في هذا المحور لا بد من الإشارة إلى أنه قد أصبح البحث العلمي الأساس الذي يقاس عليه مدى تقدم المجتمع وتطوره، وتوسع نطاق البحث العلمي وخصوصاً في الدول المتقدمة. حيث تقوم الدول بتخصيص جزء من الناتج القومي الإجمالي وجزء من إيراداتها لخدمة البحث العلمي، حيث دخلت الدول فيما بينها بالتسابق المعرفي. إن البحث العلمي له دوره في التطور التكنولوجي، و تأثيره على قطاع الطاقة وغيره من القطاعات واضح. وتوضيح هذا المحور يكون في ثلاث نقاط هي:
النقطة الأولى: البحث العلمي يؤثر إيجاباً على الاقتصاد، حيث نجد أن نجاح جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية يرتبط بتحقيق مستويات عالية من التقدم العلمي والتنمية التكنولوجية، فالبحث العلمي لا يقتصر فقط على خلق ابتكارات جديدة، بل إن جانباً مهماً منه يخصص لحل مشكلات تتعلق بالعمليات الإنتاجية بقطاع الصناعة، وبالتالي فإن الذي يمتلك التكنولوجيات المتطورة يمتلك ميزة تنافسية ويظل في الريادة، والدول الساعية للحصول عليها تكون موضع تبعية.
وقد نلاحظ أن العديد من الشركات في القطاع الخاص في عمان إما لايمتلك وحدة بحث وتطوير أو في أفضل حالاته يعتمد على شركات خارج عمان، وكذلك تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين المؤسسات الصناعية والتعليم العالي ضعيفة جداً مقارنة مع الدول الغربية والمتقدمة، ولا بدّ من الدعوة لتقوية أواصر العلاقة بين المؤسسات التعليمية والصناعية بما يعود بالفائدة على الجميع.
النقطة الثانية:
البحث العلمي وسيلة فعالة للنجاح الاقتصادي حيث أن النموّ والتنافس الصناعي الذي نشهده في عمان يتطلب التطوير والابتكار للبقاء في السوق والمنافسة، وهذا يقود بالضرورة إلى البحث العلمي، كذلك نجد أن النمو الصناعي يأتي بالعديد من المشاكل التي هي فُرص للتطوير، وهذا يخلق أجواء بحث علمي ويؤدي إلى انخراط العديد من المؤسسات التعليمية والباحثين بل وحتى يخلق فرص عمل جديدة.
النقطة الثالثة: البحث العلمي في سلطنة عمان في مجال الطاقة المتجددة كان وما يزال من أهم المواضيع التي يقصدها الباحثون والجامعات والمراكز البحثية لأهميتها، فنجد أن من أهم المحاور الستة التي أقرها مجلس البحث العلمي العماني كان محور الطاقة والصناعة والذي يحظى بتركيز واهتمام المجلس والباحثين. وقد أنتجت الجامعات العمانية العديد من الأبحاث التي تؤسس لهذا القطاع ومن دواعي سروري أن أكون أحد هؤلاء الباحثين، حيث أنتجتُ خلال عشرين عاماً في عمان أكثر من 250 بحث علمي وأربعة كتب في مجال الطاقة المتجددة، وكان تركيزي على الطاقة الشمسية في عمان. ولا بد من الإشارة إلى أهمية أن يراعي الباحثون التقنيات الحديثة ويواكبوا الأساليب العلمية الجديدة في مجال البحث العلمي لتواكب العصرنة والحداثة، خصوصاً ونحن نتوجه بالرؤية نحو المستقبل في 2040.
وكخلاصة لهذا الجزء وهذه المقالة نشير إلى أن قطاع الطاقة في رؤية عمان 2040 أساسي ومرتبط بالاقتصاد والبحث العلمي بأواصر قوية تدعو للتأمل وتشجيع البحث العلمي نحو خلق علاقة صحية بين التعليم والصناعة. وحتى نلتقي في الجزء القادم لتغطية المحورين الخامس والسادس دمتم بخير.