قصة البيت الغربي: إمرأة في التاريخ
زكية اللمكية
احبته في طفولتها وظلت تحبه طوال عمرها، لأنها تربت وعاشت اجمل ايام طفولتها مع من تحب ومع جنتها التي رحلت عنها وتركتها تعاصر الزمن وحدها بلا معين.
من هنا تبدأ الحكاية
لقد شاءت الأقدار ان تذهب هذه الطفلة عن البيت وهي في عمر الزهور ولكن الأقدار تغلبت عليها، رحلت وتركته في حيرة من امره،يشتاق إليها مع كل ركن من زواياه يفتقدها ويقول لماذا تركتني طفلتي التي لا تزال صغيرة؟ ولكن قطار الزواج كان قد وصل إلى المحطة،هل يا ترى ستعود إلي؟هل ستجدني صامدا انتظرها وهي تتوسط جدراني من جديد؟ هل لي ان اسمع ضحكتها البرئية وصوتها الشجي عندما كانت تنادي جنتها، وانا ابتسم فرحا عند سماع ذلك الصوت الرنان.
كنت لها الدفء في موسم الشتاء القارص، وأمسح عن جبينها العرق في ظهيرة قيض النغال، وهي عائدة من بساتين القرية مع أخواتها وصديقاتها اطفال فرحين بما يحملون من خيرات اشجار النخيل كالبسر والخلال ذات المذاق الجميل واشجار المانجو وسدرة النبق والكثير منها.
كنت صامدا ومنيرا بسماع صوتها كل يوم ولكن هذه سنة الحياه اعظم من كل شي،ذهب الجميع عني وبقيت احاول ان اصمد واقاوم الم الفراق لاني أعلم بإنني اذا عشت وحيدا ستنهار أضلعي، انطفىء نوري وبقيت وحيدا اعتصر ألم السنين بدأت اضلعي وقوام جدراني تنهار الواحدة تلو الاخرى، فقدت الامل انتظر نهايتي، انتظرت انهيار ضلعي الاخير، ولكن وانا امسح دموع ألمي واقف بعكاز ضلعي الاخير، شاهدت طفلتي تمر امامي تتفقدني كثيرا شاهدت عيونها تذرف ودموعها تسيل وهي تنظر الي بفيض من حنين،وقلت لها : ما بالك ياصغيرتي، لقد اخذ غبار الزمن مني كل شي جميل لقد تركني وحيدا بلا راعي ولا مجيب.
ثم سمعت ذات يوم صوتها يتغلغل ومنتشحا في كل زوايا البيت، وهو يقول لي لا يا رفيق دربي ويا عالمي المنتظر، لقد عدت اليك من جديد، فأنت ملاذي الذي سيخفف عني ألم السنين،لن اتركك أيها (البيت الغربي) سيبقى اسمك شامخا تتناقله الاجيال جيل بعد جيل.
قلت لها غبار الزمن حطم جدراني وتهدمت جذوعي التي كانت منقوشة بأبيات شعر حفرها جدك الشيخ الفضيل، تنهدت قليلا،وقالت لقد شاءت الاقدار ان اعود إليك لأخفي تجاعيد الزمان عنك، لأعيد تاريخك الوهاج إلى عالمي الجميل، لاعيش ما تبقى لي من الزمن بين جنباتك،، وانا اتذكر كل يوم من كان يشاركني فرحتي وذكرى جنتي التي اختارهم رب العالمين وعمتى نور عيني فكلهم رحلوا إلى خالقهم ولكن ستظل رائحتهم تتربع بين جدرانك ايها البيت العتيق.
ثم شاهدتها تشمر عن ساعدها، بدأت تعيد اضلعي الواحد تلو الاخر، كنت اشاهدها وهي تعمل بجد تجهد وتتعب والعرق يتصبب من جبينها لكي تعيد جدراني الهالكة وانا انظر اليها بتعجب، هل ستقدر على عمراني من جديد!!!
وكنت اشاهد دموع الحزن تتساقط من عينيها وهي تتذكر كل شبر جميل فيه.
إلى ان وصلت إلى غرفة نومها وهي طفله تغشاها ملائكة الرحمة .
ثم وقفت امام خزانتها الصغيرة بما تحمله من ذكريات جميلة .وقفت تعيد ماضيها وما كانت تحمله هذه الخزانة من ذكرى جميلة.
رأيتها تمسح الغبار عنها وتزيل كل الاوساخ عنها وتحاول ان تعيدها جميلة ونظيفة مثل ما تركتها في السابق هي ومن معها
ومع مرور الايام عادت صلابة جدراني وكنت اعلم واشاهد وهي تقاوم كل تعبها لان حملي ثقيل عليها.
حينها قلت لها: طفلتي اعذريني فمشقتي كبيرة، ليتني كنت قادرا على إبقاء كل ضلع من اضلعي صامدا لكي تجديني عندما تعودين إلي صامدا شامخا لأجلك.
طفلتي ارهقك الزمان وها انا ارهقك مرة اخرى،، لتخفي تجاعيد الزمان عني .
ثم نظرت إلي وقالت ،،،انت (بيتي الغربي) لا تشكو ما في نفسك فانت عالمي الجميل وانت من تحمل رائحة وذكريات من تركني من احبابي، لن ابخل عليك بقطرة عرق لكي اعيد إليك شموخك الاصيل واعيد اليك تاريخ ابي العظيم
كانت كلماتها الجميلة التي نزلت كغيمة على صحراء قاحلة بخيراتها الوفيرة لتعيد إليها الحياة من جديد
وها انا اليوم شامخا منيرا بوجهها الملائكي،فحنين الماضي عاد الي من جديد .
هاهي الآن تفتح ابوابي كل صباح لتشرق علي بطلتها البهية ،وابتسامتها التي يراها كل زائر لتدخل في ف قلبه روح السكينة والطمأنينة
فعلا انه أرث لا يصنعه الا العظماء
…………………
لعلي لم اعطي اركان القصة وبطلتها حقها ولكن حقا قصتها وتضحيتها يجب ان تخلد في التاريخ