2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

حبّ الوطن من الدِّين

سالم بن سيف الصولي

نعم، إن حبّ الوطن جزء لا يتجزأ من الدين، ولذلك نصّت عدة آيات من القرآن الكريم على ذلك، حيث قال تعالى في سورة البقرة:
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖإِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}. وقوله: تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}.
ولما أن أراد النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة والخروج مِن أحبّ أرض الله إليه، نظر إليها نظرة حزن واشتياق، ثم قال: (والله إني لأخرج منك، وإنى لأعلم أنك أحبّ أرض الله إلى الله، وأكرمها على الله ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت) وفى رواية أخرى قال: (والله إنك لأحبّ أرض الله إليّ، وأحبّ أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك قهراً ما خرجت)، وفي رواية أخرى أنه قال:
(اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إليّ، فأسكنّي إلى أحبّ البلاد إليك) -يقصد المدينة المنورة- وكان صلى الله عليه وسلم يقول في الرقية: (باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا).

إنّ حبّ الوطن لا يقتصر على المشاعر والأحاسيس فحسب؛ بل يتجلَّى في الأقوال والأفعال، وأجمل ما يتجلى به حبُّ الوطن الدعاء له، كما أن الدعاء تعبير صادق عن مكنون الفؤاد، لأنه علاقة مباشرة بين العبد وربّه. ولقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة فقال: (اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلتَ بمكة من البركة).
لذلك يُنسب حبّ الأوطان إلى محاور عدة، منها الاستقرار الأمنيّ، وهذا الاستقرار يأتي بعد الشهادتين، فالشهادتان تدخلان في أمن الله وحبّه ورحمته وأمناً من عذابه، والاستقرار الأمني من أعظم النعم على الإنسان في أرض الله، لأنه يعيش في طمأنينة وارتياح، ويؤدي كافة العبادات والطاعات لله سبحانه وتعالى، وباقي البرامج التي كُلّف بها الإنسان طيلة حياته.
وهنا أتذكر موقفاً حدث في أيام حرب الخليج الثانية، وقعت في إحدى البلدان العربية بعد ما أفلت الاستقرار الأمنيّ في تلك البلد، فكاد الإنسان لا يستطيع أن يعرف أين ينام مع أهله، فكانت أسرة مكونة من خمسة أشخاص قبيل الليل يتشاورن فيما بينهم أين ننام الليلة، هل في السيارة أم في البيت خوفاً من سقوط قذيفة فوقهم إذا ناموا في البيت فتدمّر البيت وما فيه، وإذا ناموا في السيارة أن تسقط على السيارة قذيفة صاروخية فتدمر السيارة وما فيها؛ فاستقرّ الرأي على أن يناموا في البيت فسقطت قذيفة صاروخية على السيارة فدمرتها عن بكرة أبيها.

فكيف لا نحافظ على هذه النعمة وعلى هذا الوطن العظيم من جميع النواحي، وخاصّة الأمن العام، والحِرص على استقراره، ولا ننسى الأمن الماليّ وهذا يخصّ بعض المعنيين؛ فالمحافظة على الأمن المالي والترشيد في عملية الإنفاق وعدم التبذير في المال العام واجب وطنيّ؛ لأن المال العام ملك الجميع يستفيد منه الوطن والمواطن، فإذا كثر وزاد الخير استقرّ الوطن وعمّ الخير على الجميع، وقلّ الباحثون، واستقرّ العاملون في وظائفهم وأعمالهم، وانتعش القطاع الخاصّ، فهذا يدخل أيضاً في منظومة حبّ الوطن وهو من الدِّين لا شكّ في ذلك،؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذّر من الإسراف ولو كان الإنسان على نهرٍ جارٍ، فالمحافظة على الثروة الوطنية واجبٌ وطنيّ ودينيّ.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights