الطاقة المتجددة في رؤية عمان 2040 : بين الواقع والطموح (الجزء الأول)
د. حسين كاظم الوائلي
متخصص في الطاقة
أستاذ مشارك – جامعة صحار
هذا المقال يناقش الطاقة المتجددة في رؤية عمان 2040 بملاحظة الواقع الحالي والتصورات المستقبلية، النقاش يتضمن ستة محاور وهي:
المحور الأول: لماذا يفضّل استخدام الطاقة المتجددة في سلطنة عمان؟
المحور الثاني: الطاقة والاقتصاد في سلطنة عمان. المحور الثالث: الطاقة في رؤية عمان 2040.
المحور الرابع: دور البحث العلمي في قطاع الطاقة. المحور الخامس: الحلول التقنية في مجال الطاقة المتجددة.
المحور السادس: الحلول والمقترحات لتنشيط قطاع الطاقة المتجددة في سلطنة عمان.
وسيتم التعرض لكل جزء في مقالة بواقع محورين في كل مقالة.
(1) المحور الأول: لماذا يفضّل استخدام الطاقة المتجددة في سلطنة عمان؟
وللإجابة عن السؤال هناك العديد من النقاط لا بدّ من ذكرها:
كأسباب احتياج الطاقة بسبب التضخم السكانيّ، والتطور التكنولوجي اللذان ساهما في زيادة الحاجة إلى الطاقة بمختلف أشكالها كالطاقة الكهربائية، والطاقة الحرارية والطاقة الضوئية وغيرها، مثال زيادة العدد السكاني:
(عمان في الستينات من القرن الماضي كانت تقريباً نصف مليون نسمة، وفي عام 2020 وصلت لحوالي 5 ملايين نسمة) – مصدر: بنك العالم.
تطور الحياة، ومن الأمثلة تطور تكنولوجي (زيادة عدد السيارات، والأجهزة الإلكترونية والمرافق الخدمية والأجهزة المنزلية كالمكيفات وأجهزة التلفاز وغيرها)، أيضاً أغلب مصادر الطاقة المستخدمة هي مصادر تقليدية وبالتحديد هي مصادر الوقود الأحفوري، فالوقود الأحفوري مثل النفط والغاز والتي تُعرف بمصادر الطاقة الناضبة أو الطاقة غير المتجددة، أي أنها محدودة وقابلة للنفاذ.
لقد استطاع العِلم الحديث إيجاد ربطٍ ما بين استخراج واستهلاك الوقود الأحفوري والمصادر التقليدية للطاقة، ومابين ظاهرة التغير المناخي وانبعاث الغازات الضارة، بالإضافة إلى التأثيرات البيئية السلبية الأخرى كتلوث الهواء والمياه والقضاء على بعض أشكال الحياة عند تزايد استخراج الوقود الأحفوري. من جانب آخر تُعرّف الطاقة الناضبة على أنها الطاقة التي تُستهلَك بمعدّل أعلى من معدل تكوّنها، وعلى خلافها الطاقة المتجددة على أنها الطاقة التي تتولد بمعدل أعلى من معدل استهلاكها، من الأمثلة على الطاقات المتجددة: الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح وطاقة الأمواج وطاقة الحرارة الأرضية والطاقة الكهرومائية وكذلك طاقة الكُتل الحيوية،
والإجابة عن السؤال تتضمن:
النقطة الأولى: التنوّع البيئيّ الموجود في السلطنة، والمساحة الواسعة لأراضي السلطنة تجعل منها مكاناً مناسباً للاستثمار في الطاقات المتجددة، حيث توجد الجبال والمرتفعات والوديان والصحاري والسواحل وما يصاحبها من أجواء مناخية كالرياح القوية والرطوبة ودرجات الحرارة المتفاوتة، هذا التنوع يسمح باستخدام أكثر من نوع تقني من أنواع الطاقة المتجددة، وكذلك توفر المساحة الواسعة لسلطنة عمان والتي تقارب 309501 كم2.
النقطة الثانية: توفر ما يكفي (كمية) من الموارد البيئية والمناخية كالإشعاع الشمسي في السلطنة والذي يسمح بإنجاح استخدام الخلايا الشمسية والمجمعات الشمسية الحرارية، الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تُعدّ من أنسب الطاقات المتجددة للسلطنة.
النقطة الثالثة: توجّه السلطنة التاريخي نحو الحفاظ على البيئة (ثقافياً) وإدراج هذه الجهود في المناهج الدراسية تجعل من المواطن قادراً على تشجيع مبادرات الطاقة النظيفة والتأقلم مع التغييرات المصاحبة لها، بشرط عدم التأثير على جودة الحياة.
(2) المحور الثاني: الطاقة والاقتصاد في سلطنة عمان: وكمقدمة لا بدّ من الإشارة لدور قطاع الطاقة وتأثيره على الاقتصاد العالمي بشكل عام والاقتصاد العماني تحديداً، حيث نجد أن قطاع الطاقة يشكل محركاً ومحوراً رئيسياً في التنمية الاجتماعية وداعماً ومساهماً رئيسياً في الناتج المحلي الإجمالي للعديد من البلدان، وقد يُغفل بعض الاقتصاديين أخذ محوَر الطاقة في التحليلات والنماذج الاقتصادية بالشكل المستحق، ولكن من الواضح والجليّ أن دور قطاع الطاقة أصبح مؤثراً جوهرياً في الاقتصاد وهو كذلك في دول مجلس التعاون الخليجي، والجدير بالذكر أن أكثر من ثلث الاستهلاك العالمي للنفط يخرج من الشرق الأوسط ومن هذه المنطقة على وجه التحديد، أيضاً تجدر الإشارة إلى أن القدرة الإنتاجية للنفط مثلاً أكبر في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مقارنةً مع سلطنة عمان، إلا أن تطوير الحقول النفطية والبحث والاستقصاء عن الخزين النفطي في عمان مستمر، بالإضافة إلى أن عمان من الدول المنتجة والمصدّرة للغاز الطبيعيّ، وعلى الرغم من ذلك نجد أن التطور الصناعي الذي تشهده عمان والنموّ السكاني والاقتصادي الذي انعكس على تطور أساليب الحياة أدّى إلى زيادة الطلب على الطاقة، كل هذا يقود إلى تبنّي سياسة التنوّع في مجال الطاقة والاستفادة من الموارد الطبيعية وإشراكها في الناتج والاستهلاك الكلّي في عمان، هذا بدوره سينعكس إيجاباً على تطوير الاقتصاد العماني.
هناك ثلاث نقاط من المهمّ تناولها لتوضيح هذا المحور:
النقطة الأولى: الوضع الحالي لقطاعات الطاقة في العالم متذبذب، حين نجد أن الأسواق العالمية للطاقة مرتبطة بشكل مباشر بالوقود الأحفوري لا سيّما النفط والغاز، ويتسم هذا السوق بتذبذب كبير وضار بالاقتصاد ولا يميز الضرر بين الدول التي ريعها يعتمد على النفط أو الغاز من الدول المستهلكة لهما، كذلك نجد أن التوترات والخلافات السياسية والنزاعات التي تحدث في العالم كما هو في الحرب الدائرة في أوكرانيا تؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل سلبي على الاقتصادات العالمية، أيضاً التذبذب بين الارتفاع والانخفاض من شأنه أن يضر الاقتصاد أولاً ويقلل من جدوى الاعتماد على هذا القطاع غير المستقر من جهة أخرى.
النقطة الثانية: الرابط التاريخي والحالي بين قطاع الطاقة والاقتصاد لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي، وكمثال على ذلك نجد أنه ارتفع إنتاج سلطنة عُمان من النفط الخام بنسبة 9.4 بالمائة حتى نهاية شهر مايو 2022م ليبلغ 157 مليوناً و462 ألفا و200 برميل مقارنة بالفترة نفسها من 2021 م وفق ما أشارت إليه البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، كذلك ارتفع إنتاج سلطنة عمان من الغاز الطبيعي إلى 41.8 مليار متر مكعب خلال 2021، مقابل 36.9 مليار متر مكعب خلال 2020، لتأتي في المركز السادس بقائمة أكبر الدولة العربية المنتجة للغاز الطبيعي في 2021.
إن هذا الارتفاع في قطاع الطاقة مرتبط ومنعكس أيضاً مع الارتفاع في الاقتصاد ومتماشٍ مع تلبية الزيادة على الطلب المحلي للطاقة نتيجة الزيادة السكانية والتطور الصناعي الذي تشهده سلطنة عمان في فترة العشرين سنة الماضية، وينبّئ بإيجابية انعكاسه على المستقبل.
وهنا تأتي النقطة الثالثة لتربط الطاقة المتجددة في معادلة الطاقة.
النقطة الثالثة: كيفية الاستفادة من تصدير واستهلاك الطاقات المتجددة، لقد كان التوجّه إلى تصدير النفط والغاز في سلطنة عمان حتى وقت قريب هو السمة الواضحة، إلا أنه وتماشياً مع رؤية عمان 2040 والتي تتضمن برنامج الطاقة والاستفادة من الموارد الطبيعية كمحور أساسي في الرؤية إلى مشاركة الطاقات المتجددة لا سيما الطاقة الشمسية والرياح في هذا القطاع، إن استخدام الطاقات المتجددة في عمان سيحرر جزءً مهماً من استخدام النفط والغاز داخل البلد ليكون صالحاً للتصدير، وعنصراً فعّالاً لجلب العملة الصعبة التي ستدعم الاقتصاد نحو تطوير شتّى جوانب الحياة في عمان، حيث نجد أن مشاريع الطاقة الشمسية في الجنوب العماني كمشروع مرآة بواقع 1024 ميجاواط، وفي عبري كمشروع محطة عبري الشمسية بواقع 500 ميجاواط، والمشاريع المزمع إقامتها في ولايتي منح وأدم بواقع 500 ميجاواط لكلٍّ منهما مشاريع واعدة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى مشروع طاقة الرياح في محافظة ظفار بواقع 50 ميجاواط، من جهة أخرى تمثّل خطوات مهمة نحو تحقيق أهداف الرؤية 2040 في برنامج الطاقة.
وكخلاصة لأهمية المعلومات المذكورة في المحورين الأول والثاني نشير إلى أهمية ومحورية دور قطاع الطاقة المتجددة في سلطنة عمان في تشكيل الاقتصاد العماني وتحقيق أهداف رؤية عمان 2040. وحتى نلتقي في الجزء القادم لتغطية المحور الثالث والرابع دمتم بخير.