صدق المشاعر الوطنية العُمانية بعيدها ٥٢ المجيد
خلفان بن ناصر الرواحي
لكل دولة يومها للاحتفال بيومها الوطني، وبلادنا سلطنة عُمان ليست بمعزل عن مثل هذه المناسبات، حالها كحال بقية دول العالم المختلفة، رغم اختلاف المسميات بين دولة وأخرى من حيث المدلول؛ فبعض الدول تسميها بعيد الاستقلال، وبعضها بالعيد الوطني، وبعضها بعيد العرش، وغيرها من المسميات المختلفة.
فقد عرف في وطننا بأن قلوب الشعب العُماني قد ارتبطت بيوم الثامن عشر من نوفمبر كل عام، وعشقت هذا اليوم الخالد، وتتوشح في هذا اليوم لترسم أزهى لوحات الولاء والانتماء، في إيقاعٍ جميلٍ، ومشهدٍ بديعٍ تلتقطه القلوب والعيون، لتنطلق في كلِّ بقاع سلطنة عمان لتُعبّر عمّا تحملُ من حبٍ أصيلٍ لا يتزحزح، وأصبح مغروسًا في الطفل قبل الكبير، ويعبرون عمّا تُكِنُّ قلوبهم من وفاء صادق لجلالة قائد باني النهضة المظفرة منذ عام ١٩٧٠م.
إنَّ الثامن عشر من نوفمبر يرتبط بمناسبة عزيزة علينا جميعًا، ففي مثل هذا اليوم من عام 1940م، أنعم الله على السيد سعيد بن تيمور بفارس عمان القادم وباني نهضتها الحديثة، حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، فأصبحت سلطنة عُمان مرتبطة بهذا التاريخ في احتفالاتها بالعيد الوطني من كل عام؛ ليبقى تاريخًا خالدًا يرمز لنهضتها الجديدة والمتجددة بحول الله تعالى.
لقد كان الاحتفال الأول بالعيد الوطني بسلطنة عُمان في ٢٣ يوليو ١٩٧١م بمنطقة بيت الفلج في العاصمة مسقط، والمعروف بأن بأن ٢٣ يوليو هو ذكرى تسلُّم صاحب الجلالة مقاليدَ الحكم عام ١٩٧٠م، وفي هذه المناسبة الأولى أطلَّ جلالته -طيب الله ثراه- على شعبه وبقي خطابه خالدًا كذلك وهو يقول: “يسعدنا أن نحتفلَ اليومَ، بمرور سنةٍ كاملةٍ على هذا العهد الجديد الذي قابله الشعبُ العُمانيُّ بأسره، بفرحةٍ وتأييدٍ مطلق، فأينما توجَّهنا في وطننا العزيز قوبلنا من شعبنا الكريم بمظاهر الولاء والإخلاص، مما يستوجبُ منا الشكرَ، ويحدونا مواصلة الجهد، وبذل كلِّ غالٍ لرفع مستوى حياةِ شعبنا، والأخذ بشتّى وسائلِ الإصلاح في جميعِ مرافق حياته”.
في العيد الوطني الثاني الذي أقيم في الثامن عشر من نوفمبر عام ١٩٧٢م، بيّن صاحب الجلالة -طيب الله ثراه-، وبكلماتٍ واضحةٍ مغزى الأعيادِ الوطنية؛ حيث بيّن في خطابه السامي بذلك اليوم بأنَّ “الأعيادُ الوطنية للأممِ رمزُ عزةٍ وكرامةٍ، ووقفةُ تأمُّلٍ وأملٌ للماضي والمستقبل، ماذا فعلنا؟ وماذا سنفعل؟ وليست المهرجاناتُ والاحتفالاتُ والأفراحُ سوى نقطةِ استراحةٍ والتقاطِ الأنفاس؛ لمواصلةِ رحلة البناء الشاقة والانطلاق بالبلاد نحو الهدف المنشود”.
وهكذا أكدها جلالة السلطان هيثم بن طارق المفدى -حفظه الله ورعاه-، بأن تبقى هذه الذكرى خالدة بنفس التاريخ لميلاد باني نهضة عُمان الحديثة، وتعهد بأن يبقى على المضي قدمًا بنفس المنهجية القابوسية لبناء نهضة الوطن، مضيفًا جلالته -حفظه الله- بأنها ستكون متجددة بسواعد أبناء الوطن، والمحافظة على المكتسبات الوطنية والتنموية التي تحققت خلال الخمسين عامًا الماضية، بمنجزاتها العظيمة وتطورها المتسارع في مختلف المجالات.
ففي أول خطاب لجلالته حفظه الله في ١١ يناير عام ٢٠٢٠م ختم خطابه مخاطبًا أبناء سلطنة عُمان بعد ما ذكر عِظم الحدث بوفاة السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-، وتقدير عظيم المنجزات التي تحققت في عهده؛ حيث قال مخاطبًا أبناء شعبه:
“أبناء عمان الأوفياء:
إن الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة، والمسؤوليات جسيمة فينبغي لنا جميعًا أن نعمل من أجل رفعة هذا البلد وإعلاء شأنه، وأن نسير قدما نحو الارتقاء به إلى حياة أفضل، ولن يتأتى ذلك إلا بمساندتكم وتعاونكم وتضافر كافة الجهود للوصول إلى هذه الغاية الوطنية العظمى، وأن تقدموا كل ما يسهم في إثراء جهود التطور والتقدم والنماء.
وفقكم الله ورعاكم وأسبغ رحمته وغفرانه على السلطان الراحل حضرة صاحب الجلالة قابوس بن سعيد بن تيمور، وجزاه الله خير الجزاء، وجعل كل ما أنجز وقدم في ميزان حسناته عند رب كريم، وأعاننا على السير على نهجه وإكمال ما أراد تحقيقه لهذا الشعب العظيم، إنه نعم المولى ونعم النصير”.
لهذا من الواجب أن نستشعر معاني تلك المناسبة لما تحمله من معاني وطنية صادقة، وليست بمجرد شعارات براقة، وعواطف خاوية من معاني الانتماء الوطني، ويجب أن تكون المشاعر بين القيادة والشعب حاضرة لمثل هذه المناسبات، وبأن نستشعر أن تكون برامجُ النهضة المتجددة نابعةً من صميم الواقع العمانيّ، وقوة الترابط بين القيادة والشعب بما يلامس التطلعات، هدفها الأسمى الوصول إلى قمة العزة والكرامة، والارتباط بالأرض؛ ليشعرَ الجميع بمدى التجاذب وقوة اللحمة بين الإنسان العُمانيّ وقيادته وأرضه الطيبة.
حفظ الله سلطنة عُمان قيادة وشعبًا، مواطنًا ومقيما، وكل عام خالدة أبية.