الوادي
مريم شملان
بردُ قارِس وشتاءًُ ينذر بقدوم المطر والرعد صوتهُ عالِِ على مشارف الجبال البعيدة، في قريةً ليس بها سوي مَنازل معدودة وأفراد قليلون يعيشون في تلك الخيامْ المُتفرقة والتي قد تم بِناؤها بالسعّف وجريد النخيل، ساكنة هادئة تلك القرية، مجردة من كل شئ إلا أشجار السمّْر والغاف الشديد الخَضَار، المُتكدسة أغصانها على الأرض، تدنوُ من حافة الوادي الذي أشتاق لهطول المطر ليبعث الحياة فيه والذي يتوسط القرية والمنازل القائمة على جانبيه، والممر المُمتد الذي يَتخلل مزارع أهل القرية والقرى المِجاورة، والذي يمتد إلى أن يصل ألى البحر الذي يشدُ بأهازيج الصيادين المُبحرين الى المجهوُل من أجل لُقمة العيش على أمل ودعاءً الى الله مُعطيها لهم، سنوُن عُجاف حَمْلت كثير من أحلام النساء باللقاء، والخوف، والنسيان، مع شروق الشمس والتي أتت إليهم مستبشرة، ترتدي بياض السَحَاب الذي يحمل الخير والبشائر لأهالي القرية ، الماضون في سعيهم الحثيث لطلب الرزق،، تتردد بذلك الفضاء الفسيح أصوات وضَحكَات ممزوجة بالردع والتخويف لأطفال وصبيان بهم طيش ولعباً ولهوًا طفولي
يجرون أذيال الفرح يتوسطون أغنام البدو والرعاة، والأمهات اللواتي خرجن ليجلبن الحطب و المياه من البئر والسلام على الجيران والإطمئنان على بعضهن البعض وشرب القهوة ، يتوقفن لتبادل ما مضى من ليلةً مرت عليهْنَ وحديث يُسرد بُحب وعتاباً جميل.
………
أسمع صياحك يو طويرة ساري
صيحي ونوحيَ وجرحي الفواد
أخفيت سدى عن…..كلام وطاري
يا طويرتن…..خوفي من الحساد
نوحي الضحيوة مهيّله لشجاري
وذرفي دمع يوم…. العباد .. رقاد
وإذا بسيدة من قرية بالجانب الأخر من الوادي قدمت إليهْنَ تحمل أخبار ما حدث في قريتها ، يتعرفن عليها النسوة إنها العّودة، تسرع لتبث الخبر تجر أقدامها بين الحزن والخوف و بين كلماتها شئ من الرُعب، تتحدث وتحرك كلتا يديها، وهنا وقف الجميع ليسمع ولينصت لها، وأقتربت المسافة بينهم وهرعوا إليها
قبل أن تصل هي إليهم، كارثة حدثت ومصيبة جرها القدر لقرية نائمة هادئة لا حراك فيها، يفصلها عن قريتهم جرفاً سحيق بداخله أشجار كثيفة، إنها الوادي التي أتت إليهم بالحزن والبكاء ، تتحدث السيدة وهي تلتقط أنفاسها، الوادي ولا تزيد حرف على تلك الكلمة، ثم بصوت عالِِ ممزوجاً بالبكاء.، الوادي أخذ البنات في مجراه مع الماء القادم من بعيد، صمت الجميع والخبر نزل عليهم كالبرق والرعد الذي يبعث الخوف والسكون، الوادي حمل الفتيات الثلاث دون أن يكون هناك مطر يُنذر بقدومه سوى صوت رعد وبرق على الجبال البعيدة وقممها الشاهقة طولاً والتي تظلل تخوم وربوع القرى الجبلية، الوادي قد زار القرية وحمل الفتيات في وقت رعيهّم ولعبهم وغفلتهم جرفهم في المياه العاتية متجه بهم الى البحر ،ولم يكن من المستطاع أن يجدوهم في البحث بمحاذاة الوادي ،وليس للبحر إلا إن دفعهم إلى رماله صباح اليوم التالي.