بناء ثقافة النشء بين الأمس واليوم!
خلفان بن ناصر الرواحي
لقد تغيرت المفاهيم الثقافية بين الماضي واليوم وخاصة في مجال تربية النشء؛ فأصبح هناك خليط عجيب من التداخلات في المفاهيم التي تبنى عليها الأجيال، وأسهم في ذلك التغيير العديد من العوامل، والغالب منها هو ناشئ من عدة مدارس ذات صلة بالتربية والتعليم ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، والتي أصبحت جميعها أكثر خطرًا على العصر الحديث رغم حاجتنا لوجودها؛ لما لها من أهمية كبيرة في الحياة العامة.
فلو قارنا حال التعليم في جيل ما قبل الألفية مثلًا، فمن خلال التجربة المعايشة التي مرت علينا؛ فإننا نجد هناك فرقًا عظيمًا بين مفردات معاني التعليم والتربية معًا، فالتعليم في المدارس كان مبنيًا على غرس ثقافة التعلم من أجل التعلم وغرس القيم والمعرفة المبسطة وليس بالكم الكبير من تشتت المعرفة، أو تضخيم محتوى الكتاب، أو اتباع منهجية معينة مستوردة من دولة لها تجربة بها، وتختلف عن واقع حياتنا وثقافتنا العامة!، وكما أن المناهج تتميز بالاعتزاز بالقومية واللغة، بينما أصبح حالها اليوم في أغلب بعض الدول العربية والإسلامية يرثى لها؛ حيث تجد الأناشيد في مرحلة الطفولة تتكلم بلغة الفراشات أو الحيوانات وتنشئ الطفل على حب التقليد الأعمى، والموضة والموسيقى والمعازف، وغيرها من الأمور التي تشتتهم عن منهجية الكتابة وغرس القيم النبيلة، والفضيلة، وحب القراءة، والمحافظة على مرتكزات الدين الإسلامي، والمشاركة المجتمعية.
بالإضافة لذلك، فإن وسائل الإعلام أصبحت عاملًا من عوامل الهدم الفكري والأخلاقي، وبعدت عن منهجية غرس القيم والهوية، والمسابقات الثقافية المفيدة، وفتحت مصراعيها على ثقافات متعددة لا تمت لقيم الدين ولا للأخلاق الكريمة وخاصة البرامج الكرتونية، ناهيكم عن الوضع العام الذي تعيشه البشرية على هذه الأرض من واقع مؤلم من تشرذم وصراعات سياسية وطائفية يعلم بها الصغير قبل الكبير في أغلب الأحوال، والانفتاح على قنوات العالم دون رقيب أو حسيب!
لقد كان التركيز في تلك الحقبة في المدارس، والبيت، ووسائل الإعلام؛ الحرص على إتقان الكتابة والقراءة قبل الحفظ، وغرس القيم، ووجود القدوة، واليوم تغير الحال إلى عدم الاكتراث بتلك الأمور، وأصبح الهم الأكبر هو التعليم من أجل تحقيق مبدأ غايات سياسية ومعايير دولية لتحقيق أرقام ومؤشرات معينة، والغالب من المتعلمين هدفها الحصول على شهادة يحقق بها رغبة الحصول على عمل أو الوصول لهدف وغاية منصب إداري أو شرفي بسرعة البرق دون جودة الإتقان في الكتابة والمتانة التعبيرية والتمكن، وخاصة باللغة العربية الأم التي هي أساس بناء النشء في الوطن العربي والإسلامي على حد سواء إذا ما أردنا بسط وجودنا في جميع المجالات العلمية والمعرفية والمحلية والإقليمية والعالمية، وتجد نتيجة ذلك أن هناك من لا يتقن الكتابة ولا القراءة باللغة العربية وهو يحمل أعلى الشهادات العلمية!
لقد سادت ثقافة الرقص والخنوع عند بعض النشء في مجتمعاتنا المحافظة وغيرها من التصرفات الغريبة علينا، فقد كانت ثقافة المجتمع ترتكز على عدة مناشط اجتماعية وثقافية؛ فمنها على سبيل المثال، مدارس القرآن الكريم، والمجالس، وتعلم الرماية، والعمل في مجال الزراعة والتجارة، وتعلم الحرف اليدوية والصناعات التقليدية، والمشاركة في المناسبات الثقافية والاجتماعية، ولا يتجرأ أحد على الرقص غير الملائم للفطرة والأعراف، ونشر ثقافة الشواذ والميوعة، بينما أصبح الحال في عصرنا يرثى له إلا من رحم ربي!
فمن هنا نرى أن هناك خللًا كبيرًا جدًا في ثلاثة مؤثرات أساسية في تنشئة الجيل الجديد وهي على وجه الخصوص؛ المدرسة، والأسرة، ووسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، والرفقة؛ لهذا على الجهات المعنية في الأمة أن تراجع نفسها في هذه الأمور جميعًا، وعلينا نحن -أولياء الأمور- أن نزرع في أبنائنا المبادئ والقيم الدينية والاجتماعية والثقافية التي تعينهم على النهوض بتقدم الوطن والأمة كافة، ونغرس فيهم القدوة لما كانت عليه الأمة في حمل رسالة الدين بالأخلاق، والقيم، والأمانة، والصدق، وحسن التعامل، والمحافظة على هويتنا؛ فهذه هي القدوة التي نحن بحاجة ماسة لها، لنا ولأبنائنا وللأمة الإسلامية والعربية والعالم أجمع، فعلينا رسالة، وعلى عاتقنا أمانة، وعلينا أن نحافظ عليها ونتمسك بها حكومات وشعوبا، ولا شك أن عناصر القدوة لثقافة المجتمع تتمركز في رب الأسرة في بيته، والمعلم في المدرسة، والعالم والفقيه في المسجد أو المجتمع وفي تعامله، والمسؤول في وظيفته وإدارته، والإعلام في القيام بدوره في انتقاء المفيد والمحافظة على الهوية.