تمسكوا بوصال الصحبة الطيبة
خلفان بن ناصر الرواحي
سبحان من جعل المودة بين الناس، وأنعم علينا بنعمة التواصل، وسخر تقارب القلوب لتألف بعضها بعضًا!
فما أجمل تلك النفوس المشرقة بجمال السريرة وصفائها، والتي ترسم الأمل لها ولمن حولها لتشاركنا زرع البسمة ببذور الخير والسعادة والسرور؛ لتخبرنا أن الجمال جمال الروح ونقاوة القلب ورباط التواصل دون انقطاع!
لقد كان شهر ربيع الأول الموافق لشهر أكتوبر من هذا العام (1444هـ- 2022م) حافلًا بثلاثة لقاءات متتالية مع عدد من الأصحاب والزملاء والأصدقاء، سواء كان ذلك في العمل أو الدراسة التي عشناها معًا بكل تفاصيلها، المليئة بالذكريات الجميلة، ويعدُّ هذا الشهر مميزًا بالنسبة لي عن باقي الأشهر من هذا العام والأعوام السابقة؛ وذلك كلهُ توفيقٌ من الله سبحانه علينا، بأن نلتقي بعدد منهم بعد فترة طويلة من الزمن، تعدت بعضها لأكثر من عشر سنوات وربما أكثر من ذلك؛ وذلك كله بسبب بعد المسافات وظروف الأعمال والارتباطات عند الغالبية العظمى منّا، بالرغم من التواصل بالرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة أو الاتصال عبر الهاتف، فإنّ اللقاءات والجلسات الأخوية لها ما يميزها من تبادل الأحاديث، وكشف ملف الذكريات ومراجعة اللحظات المترسخة في الأذهان والخالدة في الذاكرة، والمختلطة بالمرح والفكاهة، وتبادل العبارات والخبرات، ومعرفة الأحوال، والاطمئنان عن قرب على بَعضنَا بعضًا؛ مما يزيد من قوة الترابط والتواصل والمودة والألفة.
لقد أخذتُ عهدًا على نفسي بمواصلة التواصل قدر الإمكان مع زملاء العمل والدراسة أو بمن تعرفنا بهم، وما زلت على هذا العهد، ساعيًا لبقاء هذا الرباط الأخوي بيننا رغم بعد المسافات، وانشغال الجميع بظروف العصر المختلفة التي عمّ أمرها عند الكثير من الناس، وأصبحت الزيارات واللقاءات قليلة جدًا، ولكن رغم ذلك فما زال هناك أملٌ لتحقيقه، ولو كان ذلك بين فترات طويلة.
تميز هذا الشهر عن غيره بثلاثة لقاءات رائعة جدًا ومتنوعة، وجعلتُه بالنسبة لي شخصيًا ضمن نطاق سجل الترحال؛ وذلك لكونه ممزوجًا بين الحضور من أجل لقاء الزملاء والأصحاب والأحبة، وبين التعرف على بعض الأمكنة والتغيير من أجل النقاهة والاستجمام وتفريغ الشحنات السلبية المتراكمة التي قد تعترينا من ضغوطات الحياة، فكان اللقاء الأول بتاريخ ١١ أكتوبر بدعوة كريمة من بعض موظفي شركة كهرباء مزون بمحافظة جنوب الباطنة، وحضرنا ذلك اللقاء بولاية المصنعة، وجمعنا بعدد من زملاء العمل الذين كانوا يعملون في مختلف فروع خدمات الشركة، والتي جمعنا بهم سابقًا التعاون البناء بروح فريق العمل في قطاع الكهرباء، وتعرفنا في هذا اللقاء على وجوه جديدة انضمت لاحقًا لحقل العمل بعد خروجنا للتقاعد عام ٢٠١٦م، وساد ذلك اللقاء الانسجام الأخوي وتبادل الخبرات، والبعد عن الجانب الروتيني المتعلق بالحديث عن العمل قدر الإمكان، وامتزج اللقاء بسرد القصص والحكايات والمواقف الطريفة، وتناول وجبة العشاء على الهواء الطلق في باحة إحدى الاستراحات الصغيرة بولاية المصنعة، فكانت بداية الجلسة من الساعة الخامسة عصرًا وحتى الحادية عشرة ليلًا تقريبا؛ فما أروع ذلك اللقاء الذي كان مخططًا له منذ عام ٢٠١٩م، ولم يتحقق إلا في أكتوبر عام ٢٠٢٢م! وذلك بسبب ظروف العمل وجائحة (كوفيد- ١٩)، فجزاهم الله عنا خير الجزاء على كريم دعوتهم، وحسن تواصلهم، ورحابة صدورهم، وسمو تقديرهم لنا.
أما اللقاء الثاني فكان في صباح الأربعاء ١٩ اكتوبر، جمعنا ببعض زملاء الدراسة حتى المرحلة الإعدادية بمدرسة “عبد الله بن رواحة” الواقعة بوادي بني رواحة بولاية سمائل، والمرحلة الثانوية بمدرسة “أبو عبيدة الثانوية” بمنطقة مرفع دارس بولاية نزوى من محافظة الداخلية من سلطنة عُمان، واقتصر هذا اللقاء على هذه المجموعة من وادي بني رواحة فقط؛ وذلك لما جمعتنا من ذكريات الماضي الجميل، وخاصة بمدرسة “أبو عبيدة الثانوية” والقسم الداخلي لسكن الطلبة فيها أيضًا؛ حيث كان أغلبنا يسكن في غرفة واحدة، وعددنا ثمانية أشخاص في كل غرفة حسب نظام السكن ذلك الوقت، وكانت الأَسِرَّة بنظام الطابقين. لقد قضينا يومنا باستراحة زميلنا خلفان الهشامي الكائنة بقرية المحل بوادي بني رواحة، والتي تتميز بموقعها الرائع على سفح الجبل الشرقي، وبما يسمى محليًا ب “الحلاه”، وتبعد المزرعة عن مكان السكنى بمسافة مناسبة؛ مما لا تسبب إزعاجًا لأحد، ويمكن قضاء الوقت فيها بكل ارتياح، وهي مجهزة بقسمين للرجال والنساء، وأحواض سباحة منفصلة للرجال والنساء، وبألعاب أطفال، وجلسات خارجية، وشلال منحدر بشكل رائع ومميز بمجرى “الشرجة”، أي الشعبة المنحدرة من الجبل المشرف على الاستراحة من الجهة الشرقية، كما أنها مجهزة بملعب سداسي معشب طبيعيا، مع إضافة لمسات جمالية للمكان من مزروعات متنوعة بين “القت” أو البرسيم، والفواكه والخضار، وبعض الإضاءات التجميلية.
قضينا يومنا هذا في تلك الاستراحة حتى الساعة ما بعد العاشرة ليلًا، وتناولنا فيها وجبتي الغداء والعشاء؛ فكان اللقاء مميزًا للغاية، ممزوجًا بفتح صفحات بعض الذكريات الجميلة التي قضيناها معًا، وختمنا ذلك اللقاء بالتوافق من الجميع على تكرار اللقاءات بواقع لقائين في كل عام، مع إمكانية المشاركة في إقامة رحلات سياحية في ربوع الوطن وفق الظروف والتنسيق بين الجميع؛ فقد كان ذلك التجمع الأخوي ما يميزه أيضا!
أما اللقاء الثالث في شهر أكتوبر فكان صباح يوم الثلاثاء بتاريخ ٢٥، وكان ذلك في ولاية عبري العريقة بمحافظة الظاهرة؛ حيث جمعنا بزملاء وأصدقاء في العمل والدراسة، فبعضهم من ولاية نزوى، ومن ولاية أدم، وولاية بُهلاء، بالإضافة لشخصي من ولاية سمائل وإخوتنا من ولاية عبري، وكان مقتصرًا لمجموعة عددها عشرة أشخاص فقط، فكان وصولنا هناك في حدود الساعة العاشرة صباحًا، ووجدنا منهم حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة التي تميز ولاية عبري، وبعد تناول القهوة أخذونا في جولة بالسيارة لعدد من المعالم بالولاية، واستغرقت تلك الجولة قرابة ساعتين تقريبًا، وبعد أداء الصلاتين الظهر والعصر جمعًا وقصرًا عدنا لمكان اللقاء بإحدى الاستراحات الزراعية لتناول وجبة الغداء، ثم بعد ذلك كان اللقاء مفتوحًا للجميع؛ فبعضنا لعب كرة الطائرة، وبعضنا مارس السباحة، وبعضنا أخذ استراحة بسيطة، وبعضنا أخذ في تبادل الحديث والذكريات الجميلة، ثم ختمنا اللقاء بعد أداء صلاة المغرب مباشرة، وعدنا إلى منازلنا على أمل اللقاء في شهر مارس من عام ٢٠٢٣م بحول الله تعالى، حاملين معنا أجمل اللحظات الوجدانية من هذا التجمع الأخوي الرائع الذي كان له طيب الأثر في نفوسنا جميعا.
فهكذا يجب علينا جميعا أن نحتفظ بأجمل الذكريات، والتواصل مع الزملاء والأحباب، وبأن نحافظ على ذلك التواصل الأخوي دون تكلف، أو مبالغة في الضيافة، أو المزاح المفرط حتى لا نفقد العلاقة وحميمية اللقاءات بيننا، وبما يحافظ على متانة العلاقة المتأصلة بأجمل اللحظات، والممزوجة بأجمل الذكريات، سواء كان ذلك في الدراسة أو العمل أو أي محفل أو مكان اجتماعي جمعنا بهم، وتعرفنا عليهم وتبادلنا نفس الشعور والمودة الصادقة.