ضجيج في عالم النسيان
نانسي نبيل فودة
الباحثة الإعلامية والكاتبة
النسيان نعمة أنعم الله بها على البشر؛ ليطوي بها العقل أحداثا كانت سببًا لكثير من القلق، والألم، والحزن، والوجع، ليواصل الإنسان مسيرة حياته دون أن تشرد أذهانه كل لحظة بما هو فات، حتى يبدأ العقل مرة أخرى بتدوين كل لحظة جديدة في ذاكرة العقل، سواء كانت مفرحة، أو محزنة، أو مؤلمة. ما النسيان سوى قلب صفحات من كتاب عمرك، قد يبدو الأمر سهلاً، لكن ما دمت لا تستطيع اقتلاعها ستظل تعثر عليها وتذكرها بين كل فصل من فصول حياتك.
في كثير من خطوات حياتنا يصعب نسيان أحداث أذهلت العقل وهزت المشاعر وكيان الفرد بشكل قوي ومفاجئ، حتى عجز العقل عن النسيان؛ ليحدث بعد ذلك ضجيج يتردد على العقل بين لحظة وأخرى، ضجيج يخترق الذاكرة ليصبح أمام البصر، ولكن غير مرئي، يخاطب العين والذاكرة والقلب بين وقت وآخر، لتصبح قاصدة ألّا تنسى ولا تمحى أبدًا من ذاكرة النسيان ووجدان الإنسان، فعند الألم نطرق كل أبواب النسيان، فبعضنا يبكي كي ينسى، وبعضنا يضحك كي ينسى، وبعضنا ينام كي ينسى، وبعضنا يتحدث بصوت مرتفع كي ينسى، وبعضنا يصمت كي ينسى، وهو أسوأ أنواع المحاولات؛ لأن الصمت بداية لبركان من الأحداث المكبوتة تزداد مع الصمت، حتى ينفجر محدثا الكثير من الأذى الجسدي والنفسي والمعنوي، ويبدأ صراع بين الذاكرة والعقل، فالذاكرة تطارة بضجيج الأمور ولكن العقل يصر على النسيان، فلولا النسيان لمات الإنسان لكثرة ما يعرف وما يشعر به، ولمات من تخمة الهموم والأحزان والعذاب والأفكار التي تجول في رأسه.
فالنسيان نعمة أنعمها الله تعالى علينا جميعًا تمتص الكثير من الأحزان؛ حتى تنقذ الناس من كل ما يؤلمهم ويحزنهم ويبكيهم، فلولا رحمة النسيان سوف تصبح الحياة لا تطاق، وتجعل الإنسان عاجزًا من تحقيق أي جديد في حياته؛ لأنه سيقع داخل قيود سيطرة أحداث حدثت في السابق، ولكن مع عزيمة الإنسان وإيمانه بالله أصبح كل هذا الضجيج في طي النسيان، فكونوا قادرين على تحقيق هذا، فالحياة أجمل مما تتوقع، فلا ترهنوها بما فات.