التجربة الشورَويّة العمانية، نموذجا للعمل البرلماني…
حمود الحارثي
مضى على انطلاق تجربة العمل البرلماني (المجلس الإستشاري – مجلس الشورى) في سلطنة عُمان ما يربو من أربعة عقود (١٩٨١م – ٢٠٢٢م)، ابتداء بالمجلس الإستشاري الذي تأسس في عام ١٩٨١م، فمجلس الشورى الحالي الذي شهد تدرجًا ونقلات نوعية في كل دورة على امتداد مسيرته منذ تأسيسه في عام ١٩٩١م؛ ليكون قبة يجتمع تحت ظلالها ممثلي الحكومة مع ممثلي المواطنين في هذا الوطن العزيز، سواء على مستوى هيكلة المجلس وصلاحياته وأدواته، أو في أعداد أعضاءة ممثلي الولايات، أو كان في تزايد أعداد الناخبين الملموس في كل دورة إيمانًا بأهميته، ودوره الفاعل كمنبر لصوت الشعب، فكان له بالغ الأثر في نجاح هذه التجربة البرلمانية المتفردة بما يميزها من خصوصية الشفافية محققة بذلك هدفها الوطني النبيل الساعي لبلوغ أعلى درجات النجاح المثمر والمعوّل عليها الكثير على المستوى الوطني، باعتبارها شراكة حقيقية للتشاور في كل ما من شأنه مصلحة هذا الوطن الغالي( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)-[ من آية 38 سورة الشورى].
انبثق عنها الكثير من القرارات والرؤى التي صبت في مصلحة الوطن والمواطن، لا سيما تلك التي تزامنت مع أحداث وأزمات عالمية وإقليمية أو تلك التي كانت على مستوى الملفات الوطنية الداخلية التي لامست حياة المواطن بشكل مباشر من خلال المشاركة في رفع التوصيات والمقترحات والحلول لحلحلة العديد من الملفات ذات الأولوية.
وحيث يعلم الجميع بأن نتائج انتخابات المجالس البرلمانية (مجلس الشورى) لا تأتي إلا محمولة على أسباب تصويت الناخب بما كفله له القانون والمشرع من حقوق، وانعكاس لواقع اختياره ومحض إرادته تأكيدًا لحقيقة توجهه وميوله واجتهاده في اختيار من يمثله، والمبنية بكل تأكيد على قناعات استجابة منسجمة مع ما رسمه المترشح للناخب خلال فترة الدعايا الإنتخابية، منها القدرة والكفاءة والمصداقية التي توافقت مع آمال وتوقعات وتطلعات وأحلام وطموحات الناخب في كل دورة من دورات المجلس.
إلا أنه سرعان ما تتبدل هذه القناعات بعد إعلان النتائج، أو بعد مضي فترة ليست بالطويلة لنستمع إلى سيل من العويل المصحوب بكيل من الانتقادات لممثلي هذه المجالس، وكأن فوز المرشح جاء بأداة التعيين المباشر وليس بالإنتخاب من أفراد المجتمع، والذي عادة ما تصاحبه مبررات إخفاق المرشح حول قصور الوفاء في تنفيذ وعوده التي قطعها للناخب أثناء حملته الإنتخابية ناسيًا أو متناسيًا بأن مجلس الشورى هو مجلس تشريعي ورقابي وليس مجلس خدمات عامة تختص بها وحدات ومجالس ومؤسسات خدمية أخرى.
وهكذا تمر الدورة تلو الأخرى بذات السيناريو ولا زال البعض بين مشكك في مصداقية المرشح وبين حقيقة صلاحيات المجلس.
لتدور قناعات الامتعاض في أفق الأنشطة المجتمعية التي يقوم بها أعضاء المجلس بولاياتهم من خلال المشاركة والمساهمة في دعم إقامة الدورات الرياضية والثقافية والاجتماعية، أو كانت رعاية لبعض الفعاليات، أو حضور المناسبات باعتبار أنها تنطوي تحت مظلة المسؤولية المجتمعية، ولا يختلف على ذلك عاقلان في كل الأحوال بأن عضو مجلس الشورى هو فرد من أفراد المجتمع ودعمه ومشاركته لأنشطة مجتمعه أمر طبيعي قد كان يمارسه بلا شك قبل إنتخابه، والاستمرار على نفس النهج أمر يحسب له ويشكر عليه.
إلا إن وجهة نظر الناخب متقلب القناعات اتجهت نحو منظور تداخل تلك الأنشطة مع أدوار وحدات حكومية ومجالس منتخبه أخرى تتمتع بصفتها الاعتبارية معززة بما يمكنها من أداء رسالتها ودورها على الوجه الأكمل لا علاقة لها بأدوار المجلس الرقابية والتشريعية المعقودة عليها آمال الناخب بشكل مباشر، موجهين من خلال ذلك أصبع الاتهام للمرشح باستغلال توفر الإمكانيات المادية المدعومة بشفاعة المنصب، لتستهدف في حقيقتها استمالة واستعطاف فئة من أفراد المجتمع سعيًا وتمهيدًا للحصول على الدعم المجتمعي لانتخابات الدورة التي تليها من خلال جهود وإن كانت محمودة إلا إنها في حقيقة الأمر لا تمت لدور عمل أعضاء المجلس بصلة بقدر ما تؤثر سلبًا في إبراز جهود لبعض الجهات المعنية الأخرى ذات العلاقة، والأولى بها تنظيم، وإشراف، وتنفيذ كما يجدها البعض ولا أتفق معها في حقيقة الأمر أو على أقل تقدير من وجهة نظري الشخصية لما أجده من خلالها من تفاعل مجتمعي وحسن في تمثيل المرشح لولايته.
فهل ستشهد الدورة العاشرة من عمر المجلس نقلة نوعية لقطع الشك باليقين؟؟
أنا في اعتقادي من الجيد أن نرى نقلة نوعية أخرى ونحن على مشارف إنتخابات المجلس في دورته العاشرة من خلال إصدار بيان من أمانة المجلس يوضح إنجازات المجلس خلال الدورة التاسعة بشكل عام، وإنجازات أعضاءه بشكل خاص على المستوى التشريعي، والرقابي ومدى استخدام أعضاء المجلس للصلاحيات والأدوات البرلمانية التي كفلتها لهم الحصانة البرلمانية وعززها القانون والمشرع العماني ونظمتها اللآئحة التنظيمية للمجلس باعتباره الجزء الأصيل من مهام عمل المجلس وأعضاءه، وما تمخض عن تلكم الجهود في حلحلة الملفات خلال فترة أعماله بالدورة الحالية، وما قدمه الأعضاء من دراسات، وبحوث، ومقترحات في ذات النسق أسهمت إيجابا في معالجة ما تزامن في الفترة التاسعة من قضايا وملفات بلا شك ليست بغائبة عن علم واهتمام، ومتابعة أفراد المجتمع.
وفي ظل النقلة النوعية التي تمثلت في تعزيز المحافظات بصلاحيات واسعة في قطاع الخدمات والإستثمار، مرفودة بموازنات مالية تحت إشراف مكتب المحافظ والمجلس البلدي.
يقينًا مطلقًا بأنه سيكون لهذه الخطوة نقلة نوعية وأهمية عظيمة، ودور محوري في تصحيح الكثير من المفاهيم لدى الناخب عن دور أعضاء المجلس الرقابي والتشريعي، مرتقية بالمستوى الفكري لدى الناخب، ومنعكسًا ذلك إيجابًا على الإستحقاقات الإنتخابية الأخرى ذات الطابع البرلماني، وصولًا بهذه التجربة الشوروية لمستوى النضج المأمول من فحوى وجودها بالغة بذلك أعلى درجات النجاح، والفعالية المرجوة النتائج منها في ظل التمكين والرعاية، والدعم السامي من لدن المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه -.
والله نسأل التوفيق للجميع، وأن يحفظ ويديم على هذا الوطن العزيز نعمة الأمن والأمان في نهضته المتجددة وعهده السعيد، وينعم عليه بمزيد من التقدم والازدهار -اللهم آمين-… .