الأوضاع السياسة والاجتماعية التي أفرزها الاحتلال الفارسي لعمان
أحمد بن علي المقبالي
الجزء السابع والأربعون:-
استعرضنا في هذا المقال أسباب الفشل الفارسي في احتلال عمان.
الجزء الثامن والأربعون:-
مقالنا لهذا اليوم -إن شاء الله تعالى- عن الآثار السلبية في المجتمع والدولة العمانية بسبب الاحتلال الفارسي.
🔥 الآثار السياسية: والعسكرية للغزو الفارسي على عمان 🔥
لقد تبلورت خلال الغزو الفارسي على عمان ثلاثة تيارات سياسية وهي: –
١- التيار الوطني:
وقاد هذا التيار الإمام سلطان بن مرشد اليعربي وحاكم صحار أحمد بن سعيد البوسعيدي، وهما من أقوى الشخصيات العمانية، فقد ناضلا في سبيل الذود عن حِمى الوطن لدرجة التضحية بالنفس، وهو ما حدث باستشهاد الإمام سلطان بن مرشد.
٢-التيار المصلحي:
ومثّل هذا التيار بلعرب بن حمير، بعد أن فشل في صدّ الغزاة، وبدل الانضمام إلى القوات الوطنية، استغلّ الأحداث ليحقق لنفسه بعض السيطرة والنفوذ هنا وهناك انتهت كلها بالفشل.
٣- التيار الرجعي:
يُعدُّ هذا التيار أضعف التيارات، وتزعّم هذا التيار الإمام المخلوع سيف بن سلطان الثاني وعدد من أتباعه، وذلك بطلبه المساعدة من الفُرس لإعادة السلطة إليه مهما كلّف ذلك من ثمن، وفي كلّ مرّة كانت الحملات الثلاث تنتهي بالفشل الذريع، ولكن بعد أن تكون قد تسبّب بكوارث لا تعدّ ولا تُحصى.
– بعد توقيع معاهدة بين أحمد بن سعيد الفُرس لإجلاء معظم القوات الفارسية عن عمان في أواخر سنة ١٧٤٣م ومطلع عام ١٧٤٤م انتخبهُ شيوخ الباطنة إماماً، مقدّرين فيه شجاعته وتصدّيه الفُرس.
– تضاربت آراء المؤرخين في تحديد تاريخ انتخاب أحمد بن سعيد، فذكر ابن رزيق أنها في سنة ١٧٤١م، وذكر السالمي أنها في سنة ١٧٥٤م، أما وِلسُت فذكر أنها في سنة ١٧٤٧م، وبالكريف قال إنها في سنة ١٧٥٩م.
– وإذا أخذنا في عين الاعتبار تاريخ عقد المعاهدة مع الفُرس وكذلك انتخاب بلعرب بن حمير إماماً كإجراء غافريّ معاكس للإجراء الهناوي، فالأرجح بأنه انتُخِب في النصف الأول من سنة ١٧٤٤م، وهذا التاريخ يتفق مع كلّ من لوريمر ووثائق الحكومة السعودية.
– انتخبت القبائل الهناوية أقوى شخصية في العائلة اليعربية (بلعرب بن حمير) إماماً في ٢٠ يونيو ١٧٤٤م، وهذا الانتخاب يُعدُّ ردّ فِعل على انتخاب القبائل الغافرية لأحمد بن سعيد إماماً.
– استغلّ بلعرب انشغال أحمد بن سعيد في الإعداد والتحضير العسكري لطرد ما تبقّى من القوات الفارسية، وسيطر على بهلا ونزوى وأزكي وسمائل.
– قام بلعرب بجمع جيش قوامه ٥٠٠٠ رجل من قبائل النعيم والقواسم وغيرهما من القبائل العمانية المتحالفة معه، وهاجم المناطق التي حرّرها أحمد بن سعيد ودارت بينهما معركة بالقرب من صحار، انتصر فيها بلعرب، واضطّر أحمد بن سعيد للانسحاب إلى ينقل، وذلك في أوائل عام ١٧٤٥م.
– حاول بلعرب بن سلطان السيطرة على صحار، ولكنه فشل في ذلك فاضطر إلى التراجع والانسحاب إلى الداخل، بعد انسحابه وحلفائه من المناطق الساحلية عاد أحمد بن سعيد إليها، وأخذ يعدّ نفسه سياسياً وعسكرياً استعداداً لجولة فاصلة مع خصومه، وتمكّن من تحرير الفُرس وطردهم من مسقط وإعادة السيطرة عليها.
– كان لهذا العمل مردودات إيجابية كبيرة جداً جعلت أحمد بن سعيد يفرض احترامه حتى على خصومه الغوافر حلفاء بلعرب بن حمير.
– قام بلعرب بن حمير بإجبار حلفائه بدفع مبالغ مالية كبيرة له، كما قام ببثّ الفتنة بين شيوخهم وإيقاع بعضهم ببعض، وكذلك سجنه لآخرين من الشيوخ، وأخذت تصرفات بلعرب تتّصف بالحماقة والتسلّط، وهو ما جعل حلفاءه يشعرون بالغضب والسخط عليه.
– عام ١٧٤٨م قام أغلبية حلفاء بلعرب بن حمير من القبائل الغافرية بخلعه من الإمامة؛ ممّا ترتّب عليه انسحاب معظم القوات المتحالفة معه.
– جاءت دعوة لأحمد بن سعيد من سكان نزوى يدعونه للقدوم إلى المدينة لتسليمه مفاتيحها، واستطاعت قواته السيطرة على المدينة، وحاول بلعرب استرجاع المدينة، فدارت رحى معركة شديدة في قرية فرق بين القوتين في النصف الأول من عام ١٧٤٩م، كانت نتيجتها مقتل بلعرب بن حمير اليعربي، وتشتت قواته.
– في ٢٠ يونيو عام ١٧٤٩م تم انتخاب أحمد بن سعيد البوسعيدي بالإجماع إماماً على عمان.
– رغم محاولة بعضهم التشكيك في انتخابه لأسباب متعددة؛ فقد استحقّ أحمد بن سعيد تقلّد الإمامة لقيادته الفذّة، وكفاءته وبصيرته، وسياسته للأمور بطريقة صحيحة، ومعالجته للأمور بذكاء وفطنة.
– وبهذا، فقد أنهى الإمام أحمد بن سعيد حُكم العائلة اليعربية في عمان بعد ١٢٥ عاماً من الحكم، وبدأ بوضع حجر الأساس لحكم الأسرة البوسعيدية.
– ترتّب على الحملات الفارسية على عمان بأن خسرت عمان مقاطعاتها في أفريقيا، كممباسا وباتا وزنجبار وكانت الخسارة من جانبين: –
١- الجانب السياسي.
٢- الجانب الاقتصادي.
لأن هذه المناطق تُعدُّ أهم المراكز التجارية العمانية ومصدر دخل للدولة العمانية تعتمد عليه اعتماداً كبيراً، ولقد بذل حُكّام البوسعيد جهوداً جبّارة ومضنية لإرجاع هذه المناطق إلى حظيرة الدولة العمانية.
– كما نبّه الغزو الفارسي الإمام أحمد إلى عدم وجود جيشٍ نظاميّ للبلاد، صحيح أن العمانيين معروفون بشجاعتهم المتميزة، ولكنّ الدولة تحتاج إلى جيش جاهز في كل وقت، وعلى استعداد للدفاع عن الدولة، فقام الإمام بتجهيز جيش وأشرف بنفسه على تدريبه وتسليحه.
👈 الخلاصة :-
لقد عانت عمان أوضاعاً اجتماعية واقتصادية صعبة ومزرية في ظلّ الغزو الفارسيّ، إلا أن هذه الغزوات وهذه الظروف القاسية لم تزد الشعب العماني إلا مزيداً من التماسك ومزيداً من الإصرار، وبعناد كبير لطرد الغزاة، والذي تحقّق في نهاية المطاف على يد أحد أبناء الشعب العماني، وهو الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي.
مقالنا القادم -إن شاء الله تعالى- سوف يكون عن الأحداث التي تلَتْ تحرير عمان من الاحتلال الفارسي.
المصدر: –
– عمان وسياسة نادر شاه التوسعية.
المؤلف: –
عدنان الزبيدي.