القصص الرابحة
شريفة بنت راشد القطيطية
يكون التوهج مثمرًا حين تعد نفسك من أوائل المبدعين في العطاء، وتحلو الحياة، ويستمر العيش، ولا ينقصك هنا إلا قصة مكتملة لتعدو بها في سباقات آتية من الغيم، وحوارات نابعة من لذة الصدف التي تحذو حذو الخيال، وتنهمر بغزارة على أرض قلبك الممتلئ حجارة وتهشمها لتعد طريقًا سالكًا إلى الوريد؛ هنا فقط تكون قصتي لها أثر، وتستحق أن تحكى.
كانت لدي قصتي، وأعدها للورق يوما بعد يوم، وحين تذكر القصص أخجل أن أكملها؛ فليس لديها أي تكملة، وأي مقاس، وأي مقدار، وليس لديها فارس أحلام ولا بداية ولا أحداث ولا نهاية، لديها فقط خطوط عوجاء ورياح هوجاء، ولها فأس يقطع الأغصان التي تنبت، وتشرب الماء وتنخدع بالسراب، وتأتي بالصحراء سجادة للصلاة وبالأدعية غيث ورحمة، لديها صامت يعبث بالعاطفة، ويحقن الشعور بالعشق الأسود.
تأتي القصص كمحراب تدفن فيه الأسرار، كوطن محتل ومغصوب الحريات، وتتغابى كثيرا تلك الشجيرات العابثة بالتراب الذي تصنع منه ذهبا للفقراء، إنها قصص حياة. فكيف أبدأ قصتي بين هذه الأكوام الجسيمة من التعديات، والموت المقصود والبنادق العطشى لرؤوس الأحرار؟ وملأى المكان صغار تحت النار، وأنا أبحث عن تكملة لحصار، وحوافر أقدام والغبار حين يجتث الوطنية، ويحفر بالدماء أسماء عربية، نعم، نفتقد الذات حين ترحل، ونتحدى باليقين خذلان القلوب.
تأخذ القصص مسارًا ينبعث من ألم أو عبرة، ولا يعتقد العابثون بمداخل القصص ترجمة لحواراتهم، هي فقط لخوافي ذاتهم وتعليم لأجيال بعدهم، وتقضي القصص إجازتها في محنة من توتر وغلبة، ولا تحدد لغة قلوب بقدر ما تحدد لغة شعوب، وترجمان أفكار ينص على ذاتية وغرور وكبرياء، وقلوب نقية تأخذ منها القصص عن طيب خاطر، القصص الغائرة في الضمير تخلد بكل تفاصيلها، ويتخذها الناس نياشين وأسماء للذكرى، ونضع قصص الهيام على صحن مزركش على الجدران كتحف فنية لا غير.
عندما أزرعك في روحي تنبت قصة، وتلاحظ توابعها لو غابت الفكرة عنك سنين، ألست معي في ذلك؟ ألست تشعر بالخفقات؟ قصص جميلة نقرأها قبل النوم، ونقضي معها وقتا أطول لنتخلص من آثار الحروب وسحب الدموع وفيض الليل وهمالة الفجر، القصص الرابحة تعدو بنا بلا سرج ولا شيء نتمسك به، ثباتنا هو الوحيد الذي يتوجنا الفائزين باللقب، ويدخلنا حقل الغيم نقطف التتويج.