عادة سيئة تجتاحنا جميعا
بدرية بنت حمد السيابية
في يوما ما كنت جالسة في إحدى المنتزهات، نستمتع بنزهة مع العائلة، وليس هناك أجمل من لمة العائلة، وفي أثناء الانتهاء من نزهتنا، قمنا بتنظيف المكان ووضع القمامة في مكانها المخصص، ولكن ما لفت انتباهي جلوس أحد الأطفال على كرسي خشبي، يحمل في يدية جوالا، وكان تركيزه على الجوال فوق ما تتوقعون، فقلت في نفسي: أين أهل هذا الولد؟ أيعقل يترك وحده هكذا دون رقابة؟!
وقبل خروجي من المنتزه بقليل اقتربتُ من هذا الطفل الصغير، وكان الفضول يأخذني لسؤاله: أين أمك؟ توقعته أن يجاوبني بسرعة، ولكن للأسف، كان الجوال قد أخذه في عالم آخر، فسألته مرة ثانية: ألم تتعب من الجلوس لساعات طويلة على هذا الكرسي المتخشب، ألا يؤلمك ظهرك ويدك؟ فلم أجد منه جوابا! جلست أفكر كيف لهذا الولد الصغير أن يهمل هكذا بدون حسيب ولا رقيب؟! ألا يعلم أهله أضرار هذا الجهاز المحمول وإصابة ابنهم فيه لا سمح الله؟!
لقد أصبحنا في زمن غير زمننا، فكنا في الماضي نستغل وقتنا في الحضور لحلقات العلم من قراءة القرآن الكريم، ومعرفة قصص الأنبياء والمرسلين، سواء في المساجد أو تحت ظل شجرة، كنا في قمة التواضع والبساطة، فما أجملها من أيام مضت!
للأسف، أصبحت الآن تربية الآباء أبناءهم شبه مضطربة بينهم، لا كلامهم يستمع إليه، ولا يتقبلون النصيحة، فأصبحوا يصارعون أنفسهم بأنفسهم وجلوسهم الطويل أمام هذه الشاشات، عقولهم أدمنت وراء هذا الشيء.
فعلا، واقع نعيشه بكل تفاصيله، ولعل الجميع لاحظ هذا التغير بين أبنائنا، وأصبح الآباء يلبون طلباتهم رغم علمهم بأضرار هذه الأجهزة التي سلبت عقولهم، شملت الألعاب المدمرة، والمشاركة فيها دون علم الوالدين، فلماذا لا نكون حازمين مع أبنائنا ونقف بجانبهم ونحتوي أفكارهم بدلًا من الجلوس هكذا مكتوفي الأيدي، وكأننا نشجعهم ونصفق لهم وهم يتبعون طريق الإدمان ؟!
لنترك عادة استخدام هذه الأجهزة، ولا نعطيها أكبر من حجمها، ففي النهاية سبحانه وتعالى ميزنا عن سائر المخلوقات “بالعقل”، ونستخدم هذا العقل في ميزات تميزنا في استغلال وقتنا بالشيء المفيد لنا ولمجتمعنا وللناس أجمعين، وأولادنا أمانة؛ فيجب مراقبتهم والاهتمام بهم قدر المستطاع، ولا نجعلهم ضحية هذا الإدمان؛ وهو إدمان الأجهزة، فلنعطهم من أوقاتنا، ولا نتعلّل بأعذار لا نفع فيها فيما بعد.