بشائر ضبابية
عبدالله بن حمدان الفارسي
لعل هناك مَن يتفق معي على الصحة التقريبية لوجهة نظري المتواضعة هذه، والتي أجبرتني للتطرق لهذه الظاهرة ذات الطابع السيء، نظرًا لتكرارها وسرعة انتشارها في الوسط المجتمعي، والمواقف المتعددة والمتشابهة التي تعرضت لمشاعر الناس وتأثيرها فيها، والتي ولّدت لدي هاجسًا للكتابة في هذا الموضوع، وربما هناك من سبقني للتصدي لهذه الظاهرة والتنبيه والكتابة عنها، فالأمر أصبح كابوسًا يؤرق الكثيرين ممن ينتمون إلى هذا الوطن الغالي، في محاولة مع سبق الترصد والإصرار للنيل من مكانته والإساءة له ولكل منتمٍ إليه، وما أصاب السواد الأعظم من المواطنين جراء تلك المؤرقات هو الإحباط والانكسار النفسي حين يصطدمون بعد حين بواقع مرير ومغاير عمّا هو مأمول ومنتظر ومخالف لما وصلت لهم من معلومات، والأغلبية منهم ولن أقول الجميع الذين يسعون لتحسين أوضاعهم كلٍ حسب ما لديه من ميول وآمال وتطلعات واحتياجات شخصية، وأشرت لمفردة (الأغلبية) عوضًا عن الشمولية التامة؛ لأن لكل قاعدة شواذ وللقارئ التعمق وحرية التأويل في -لكل قاعدة شواذ-.
عمومًا أن ما يهم في هذا الطرح هي السلوكيات التي تبلورت في عقلي وعلى مستوى فهمي، والتي لا أجد لها المبرر المقنع للقيام بها وتكرار حدوثها وافتعالها، مع التساؤلات التي تبسط نفسها على الساحة المنطقية. ما الغاية من وراء هذه المفتعلات السلبية والانغماس فيها وتقنين الأساليب الممنهجة؛ لكي تخرج بالصورة المراد لها؟
فمن الواضح جليًا وجود آلية ذات جودة عالية في رسم وتخطيط للأهداف المرجوة منها، والتي يتم فيها التعامل باحترافية بالتعمد في إجهاض الخبر قبل أوانه، وإن كان الخبر قد يكون صحيحًا ومكتملًا من حيث النمو وعلى درجة عالية من الجاهزية، ولكن لأمرٍ ما لم يأن موعد ولادته وظهوره للعلن والتفاعل معه وبه؛ لذلك فإن بعض الأخبار عند استشعار المسؤولين عنها بانتشارها قبل الإعلان عنها رسميًا اللجوء لإيقافها ونفيها في ذات الوقت، واتخاذ ما يلزم حيال ما تم، فبين فينة وأخرى تطالعنا بما تسمى بوسائل التواصل الاجتماعي، أو ممن يطلق عليهم صناع محتوى، أو فئات مضللة بأخبار تُتَداول من هنا وهناك عبر الوسائل تلك التي ذكرت تلامس تطلعات المواطن العاطفية واحتياجاته الأساسية؛ مفادها أنباء تؤكد وتلوح في الأفق عن صدور تعليمات أو أوامر أو مراسيم من شأنها تغيير حياة المواطن، وتحسين وضعه المعيشي، وإحداث فارق في حياته وممارساته، والإيحاء بأن هذه المفارقات ستحدث نقلة نوعية وكيفية على نمط معيشته، ومثالًا على ذلك لا الحصر؛ زيادة دخل المواطن، أو قرب موعد الترقيات، أو منح امتيازات استثنائية، وإلى آخره من الأمور التي تضفي عليه -المواطن- نوع من التفاؤل والفرح وبناء الأحلام الوردية، والسباحة بكل حواسه في بحر إعداد الخطط ورسم الصور النموذجية لحياة أفضل، وكذلك التحليق في فضاءات جنات الفرح وقطف ثمارها.
نعم لا ضير من أن يعيش الإنسان الحلم بكافة تفاصيله، ويحاول بتوفيق من الله، وثم بقدراته وإمكانياته إلى تحقيقه وتحويله إلى واقع، مطبقًا لكل مجتهد نصيب، ولكن أن يعيش تحت وطأة سنابك الأخبار المفبركة والصور المركبة التي تتهادى عليه من كل حدب وصوب، لتنقل له أخبارًا لا صحة لها، أو غير مؤكدة، ولا تمت للواقعية بشيء من السلامة، وليس لها مصادر موثوقة، تجعله فريسة لبراثن الأحلام والأفكار، نهايتها مؤلمة كالذي يسعى وراء السراب، وهؤلاء الساعون لنشر الأخبار المفبركة والتوسع فيها يجب على الجهات ذات الاختصاص تتبعهم وردعهم وإقصائهم، وهدم صوامعهم الزائفة من أساسها؛ لأن تصرفات كالتي يقومون بها ليست ذات تأثير مباشر على الفرد فقط بقدر تأثيرها على الوطن أيضا، بخلق فجوة بينه وبين المواطن، كذلك زعزعة الاستقرار النفسي والأمني لديه -المواطن- ومن ثم انعدام الثقة؛ مما سيثير الكثير من الاهتزاز والتأرجح بين الوطن والمنتمين إليه. أيضًا علينا التساؤل عمن وراء هذه المفتعلات والأقاويل الزائفة ومن يقف خلفها؟ وما الهدف منها؟
والأدهى من ذلك نجد ما بين أيدينا نماذج صور لمستندات ووثائق رسمية من جهات حكومية محتواها خصوصيات لا يجب نشرها أو الاطلاع عليها قبل أوانها من قبل العامة، مما يدل أن هناك من يقوم بتسريبها عمدًا بهدف إثارة القلاقل وبث الفتن وتأجيجها، فما يجب علينا جميعًا كوننا مواطنين أن نضبط النفس، ونحتكم للعقل ولا نتدحرج بسهولة خلف هذه الفئة الهادمة وأخبارها المغرضة، وأن تكون مصادر تلقي الخبر لنا وصحته هي الجهات الرسمية، وأؤكد على الرسمية وليست الأهلية أو ذات الانتماء التبعي، لأن الجهات الرسمية في نهاية المطاف لا يصدر منها إلا الأخبار الأكيدة والموثقة، ونحاول بقدر الإمكان من رفع مستوى سقف الثقافة الواعية لدينا ولدى من يهمنا أمرهم، ولا نلتفت لكل شاردة وواردة من جهات نجهل حسبها وأصلها ونسبها.