” الاختلاط الإلكتروني في المجتمع “
سعيد بن خميس الهنداسي
يعد الاختلاط الإلكتروني من المواضيع الحساسة والشائكة في المجتمع بشكل عام، وتعدُّ مختلف المنتديات أرضا خصبة للتواصل بين الجنسين، وتتعدد أشكال هذا الاختلاط، وقد يعده بعضهم حرما جامعيا إلكترونيا كبيرا، ويقصد بالاختلاط الإلكتروني: تواصل الجنسين عبر شبكة الإنترنت، وما تحتويها من برامج مختلفة، وهذا الاختلاط وإن لم يكن مكانياً، كالاختلاط المعروف في الأماكن العامة، كالجامعات والعمل وغيره، إلا أنه قد يكون أحيانا أشد خطراً؛ لخصوصية هذا التواصل، والذي قد لا يتوفر في الاختلاط التقليدي، وهو وجود الجنسين في مكان واحد.
ومما لا شك فيه أن الأصل في الاختلاط أن يتواصل الرجال مع الرجال والنساء مع النساء، والاستثناء هو التواصل بين الجنسين عند وجود الحاجة الداعية لذلك، ولا يصح أن نجعل الاستثناء أصلاً، فلا بد من ضبط ذلك؛ بحيث يبقى الكلام في حدود الحاجة إليه، ولا ينتقل إلى المباسطة ثم إلى الحديث عن الشؤون اليومية والشؤون الخاصة، مع الالتزام بعدم الإكثار من المدح والإطراء الزائد عن الحدود الطبيعية بين الجنسين، فغالباً له ما بعده، فكم أدت المباسطةُ بين الطرفين والتساهل في التعامل إلى ما لا يحمد عقباه! وهنا لا بد للطرفين من مراقبة الله تعالى في كل كلمة أو تصرف.
واحتراما لاختلاف الآراء؛ وجب علينا أخذ المفيد من موضوع الاختلاط الإلكتروني؛ حيث إن الكثيرين من عامة المجتمع يدرك سلبياته وإشكالياته، إلا أنه يغيب عنهم الإيجابيات المحمودة الكثيرة، والتي من خلالها قد يتحقق الإبداع في المجتمع، وأيضا ترتفع روح التنافس بين الجنسين سواء في مجال العمل أو الدراسة أو أي مجال آخر، كذلك يعلمك الاختلاط حسن التعامل ويعلمك الاحترام، ويعلمك أن الحياة مع الجنس الآخر ليست مرتبطة بمفهوم غرائزي فقط، وأن مخالطة الناس وفق الضوابط الشرعية خير من الاعتزال في كثير من المواطن؛ وذلك للفوائد المتعددة التي تكتسب من خلال الاحتكاك بالآخرين، فالذي آتاه الله علما؛ وجب عليه ألّا يكتمه ويحجر عليه، بل الواجب عليه مخالطة أفراد المجتمع لتعليمهم وإفادتهم به، كذلك من ضمن الفوائد المجاهدة في تحمل أذى الناس وترويض النفس للتحلي بالأخلاق الفاضلة، كالتضحية، والإيثار، والتعاون، والصفح، عن الإساءة، وغير ذلك، والتي قد لا تظهر هذه الاخلاق إلا بالاحتكاك مع الآخرين وكثرة التعامل معهم مباشرة، أو من خلال التواصل بمختلف الطرق الإلكترونية، ولعل من أكبر فوائد الاختلاط الإلكتروني، التطور التكنولوجي الذي أسهم في تحسين العديد من القطاعات المختلفة؛ نتيجة لما تم تقديمه من معدات وتقنيات جديدة تعمل على توفير وقت الإنسان وجهده، ومن أبرز القطاعات التي ازدهرت مع التطور التكنولوجي، التعليم، الثقافة، الزراعة، الطب، الصناعة والتجارة.
وتعدّ مخالطة المجتمع في الواقع مطلبا، والاختلاط الإلكتروني في المجتمع الافتراضي مطلب مهم، والإنترنت ومواقع التواصل المختلفة بحرها عميق، وفيها الشيء السلبي والإيجابي، والفطن من يسخرها لخدمته وخدمة مجتمعه؛ كي يستفيد منها بما ينفعه في دنياه وآخرته، فالمقصود تحقيق الفائدة، وفهم المراد وإدراك الخطر الكبير الذي يكون خلف جدران هذا العالم الافتراضي، الذي يسهم في التطور التكنولوجي بابتكار طرق أسرع لتواصل الأفراد مع بعضهم بعضا، ومن مختلف أنحاء العالم؛ ليستغلها الاستغلال الأمثل في تطوير الحياة بشكل عام.