حرية وانفتاح ولكن !
عبدالله بن حمدان الفارسي
تعجز الصعاب أن تقهقر إرادتنا، ويستعصي عليها سلب مكوناتنا الإيجابية، فهذا دلالة على أن سلامة السلم التصاعدي للنضج الفكري لدينا يخلو من الصدأ والتآكل الزمني، أو التأثر بما هو نتن وضار، أيضًا يدل ذلك على نقاء التربة الحاضنة وجودة الغرس، ومن ضمن أفضل الطرق للثبات العقلي للإنسان هو الثبات والتيقن من معتقداته وسلامتها، وصحة محتواها، عدا ذلك فإن مسيرته لن تكتمل أركان نموها وتوسعها، فمتى اهتزت وتزعزت تلك المبادئ وتخللها الريب، فحتمًا بأن النهاية ستكون على مرمى البصر، إذاً لا بد من التزود بما يلزم من العوامل والركائز الأساسية التي تعين على مشوار الرحلة، فتلك الركائز لا تجعل منها طلقة الانطلاق فقط، بل يجب أن يرافق تلك الطلقة ما يكفل لها من مواصلة الاندفاع، والمحافظة على مستوى قوتها، لتصل للهدف المنشود، وأيضًا لا بد من إيجاد البدائل والاختيارات فيما لو اعترضت العوائق تقدمها.
إن الحياة تحتاج منا لأشياء، منها اليقين، والثبات، والإتقان؛ فاليقين اعتقاد راسخ في العقل وإيمان بالقلب لا حياد عنه، والثبات هو التمسك بالمكتسبات الأخلاقية الراقية والمحافظة عليها، والإتقان هو الإجادة والاحترافية ذات الانفراد بالتميز في العمل، ففي حياتنا نحتاج إلى فكر حر لنحرر ذواتنا من السلبيات، والشوائب ذات التقوقع، والرجعية والسطحية وهشاشة اتخاذ القرار، ولكن حرية الفكر المطالب بها لا تعني الانسيابية والانزلاق في مجاري الاضمحلال ومساحات التصحر الفكري، ولا اتباع سلوكيات دخيلة بهدف التعلم والتطور وفي غايتها طمس قوانين القيم الحميدة.
كثير ما نجد أنفسنا أمام تيارات مستوردة، التي يكون الغالب منها عامل تكوين على تجريدنا من قيمنا، ولن أقول بأن السواد الأعظم منا هو تابع ومتلقٍ، وقابل ليكون وعاء أو بوتقة احتواء لتلك النفايات، ولكن ولا اختلاف على أن هناك من لديه الإمكانية لبسط عقله، وفتح قلبه؛ ليكونا مساحة خصبة لا تقبل إلا بما هو مفيد وصالح.
إن التحرر كيفما كانت هيئته مطلب وغاية من استقلالية العقل والجسد، ورفض التبعية العمياء والانتماء العشوائي، نأمل في تحرر بهدف التعلم والتطور، وإنتاج بما يواكب متطلبات العصر، ويتناسب وقيمنا وسماحة ديننا واحتياجاتنا التي لا تحيد عن حياتنا الإسلامية، رافضين ومستنكرين لما هو عابث بعاداتنا وتقاليدنا الإيجابية، وعدم المساس أو التقرب من التربة الصالحة التي هي أساس نشأتنا، ونمو كل ما هو إيجابي من أجل صلاحنا وصلاح وطننا.