رحلة إلى أفضل البقاع
سالم بن سيف الصولي
قـال تعالى:
{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران من آية:97]
وقد أمر الله سيدنا إبراهيم عليه السلام بأن يؤذّن بالناس، قال تعالى:
﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.
[سورة الحج، الآية: (27)].
وعد الله تعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام بالإجابة لوفود الناس حجّ البيت، أي ما بين راجل وراكب، وقال:
يأتوك: وإن كانوا يأتون الكعبة فمن أتى الكعبة حاجّاً فكأنما أتى سيدنا إبراهيم عليه السلام ضيفاً لأنه قد أجاب النداء، وكان ذلك في تشريف سيدنا إبراهيم عليه السلام. والرجال: صفة جمع، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُشَدُّ اَلرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ اَلْأَقْصَى – مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
في أيام الحج يشتاق قلب المؤمن لأن يكون من ضمن تلك الوفود الغفيرة التي تفِد إلى زيارة بيت الله الحرام، فمن الجميل أن نتحدث عن فضل أعظم رحلة، وأن هذه العبادة تُعتبر شيئاً عظيماً، وهي الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة، حيث قال صلى الله عليه وسلم:(منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ). متفقٌ عَلَيْهِ.
الفكرة بدأت بالنية الخالصة لله سبحانه وتعالى قبيل موسم الحج لهذا العام، ثم بالتقدم بطلب، وانتهت بالموافقة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وكان الانطلاق في الرابع من ذي الحجة بصحبة الأساتذة مسؤولي شركة الرحاب الطاهرة، فأقدّم لهم كل التحية والاحترام من خلال هذا المقال، وكانت الرحلة عبر الطيران العماني من مسقط إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(أيها المشتاقون لنور جماله صلّوا عليه وسلّموا تسليما). فالهدف منها زيارة المصطفى والسلام على صاحبيه أبي بكر الصدّيق وعمر ابن الخطاب رضي الله عنهما، والصلاة في الروضة الشريفة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي) متفق عليه.
كما توجد فائدة في الاقتداء وزيارة البقيع والبقاع الطاهرة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأخذ العبرة والموعظة الحسنة من عظمة المكان والسَّكينة، لأن المدينة قد استقبلت بشائر الدعوة بقلب مؤمن منذ قدوم الصحابي الجليل مصعب بن عمير رضي الله عنه.
فجعلها الله تعالى خير بقاع الأرض بعد مكة المكرمة، لا سيما أنها كانت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي لطالما نزل عليه الوحي فيها، وهي مُلتقى الأنصار والمهاجرين رضي الله عنهم. وقد أطلق عليها النبي عليه الصلاة والسلام اسم طيبة.
ثم بعد يومين تحركت الرحلة إلى أفضل البقاع، وهي مكة المكرمة، وذلك في اليوم السادس من ذي الحجة بعد الإحرام من أبيار علي (ذو الحليفة) وقد استقرّ الحجيج في مكة لمدة يومين، ثم في يوم التروية غادرنا المكان إلى مِنىً، حيث صلينا فيها العصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم غادرت الرحلة إلى عرفة، بعد الإشراق وهي من مواقيت الحج، حيث قال صلى الله عليه وسلم:
(الحجُّ عرفاتٌ، الحجُّ عرفاتٌ، الحجُّ عرفاتٌ. أيامُ مِنى ثلاثٌ فمنْ تعجّلَ في يومينِ فلا إِثْمَ عليهِ ومن تأخّرَ فلا إثْمَ عليهِ، ومن أدركَ عرفةَ قبلَ أن يَطلعَ الفجرُ فقد أدركَ الحجَّ). أخرجه الترمذي.
ومكثنا في عرفة حتى غروب الشمس، ثم نفر الحجيج من عرفة إلى المزدلفة، حيث صلينا المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، والمبيت فيها بعد صلاة الفجر والدعاء، تحركت القافلة متّجهة إلى رمي جمرة العقبة الكبرى. بعد الرمي ذبحنا هدينا وحلقنا، ثم حللنا إحرامنا ومكثنا في مِنى يوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر، بعد الزوال تمّ رمي الجمرات الأولى والوسطى والكبرى، ثم مغادرة المكان إلى مكة المكرمة شرفها الله تعالى، ومكثنا حتى الرابع عشر من ذي الحجة للعودة إلى أرض الوطن بسلام، سائلين المولى جلّت قدرته قبول العمل وغفران الذنوب.
ولايسعنا إلأ أن نقدم كل الشكر للبعثة العمانية في الأراضي المقدسة، فكل الشكر والتقدير على ما يقومون به من جهد على مدار الساعة خدمةً لزائري بيت الله الحرام، كما لا يفوتني أن أقدم كل الشكر وجميل العرفان لحكومة خادم الحرمين الشريفين ووزارة الداخلية ووزارة الحج والعمرة بالمملكة العربية السعودية على الجهود التي تبذل من أجل توفير سبل الراحة لحجاج بيت الله الحرام.