الأحداث التي أدت الى تأخير الحملة الفارسية الثالثة على عمان
أحمد بن علي المقبالي
الجزء الرابع والأربعون:-
مقالنا اليوم إن شاء الله تعالى سوف يكون عن الأسباب التي أدت إلى تأجيل الحملة الفارسية الثالثة على عمان.
إن انسحاب القوات الفارسية دون تحقيق هدفها أثار مشاعر الغضب والسخط لدى نادر شاه ضد تقي خان، فوجّه إليه رسالة قاسية شديدة اللهجة حمّله فيها المسؤولية الكاملة لفشل الحملة في تحقيق أهدافها وطلب منه أن يستأنف فوراً الاستعدادات العسكرية اللازمة لتحقيق هدف احتلال عمان، وأمره بأن لا يرجع إلا بعد فرض الهيمنة المطلقة على عمان ولو اقتضى الأمر تدمير المدن العمانية وتسويتها بالأرض، وأعطاه أمراً مباشراً بأن يسوّي مسقط بالأرض إذا استعصى عليه احتلالها.
– بناءً على أوامر نادر شاه الصارمة، بدأ الفُرس منذ مارس ١٧٣٩م يجرون الاستعدادات لاستئناف العمليات الحربية على عمان، ولكن ثمة حدثين مهمين تم تأجيل العملية بسببهما لمدة ثلاث سنوات تقريباً وهما: –
١- مطاردة البحّارة الثوار العرب ومحاولة استرجاع السفن التي استولوا عليها.
٢- إعداد الأسطول البحري
السبب الأول: –
١- مطاردة البحارة الثوار العرب:
– في شهر أغسطس عام ١٧٤٠م قام البحارة العرب في الأسطول الفارسي بالثورة ويبدو أن الفرس لم يتعلموا من درس ثورة العرب في المرة الأولى في عام ١٧٣٨م ولذلك تكرر التمرد ولنفس الأسباب السابقة وهي: –
١- تغطرس الفُرس ومعاملة العرب بطريقه سيئة.
٢- تأخّر دفع مرتباتهم ومستحقاتهم.
٣- عدم تزويدهم بما يكفي من مواد تموينية.
قادة الثوار وهم: –
١- رحمهة بن مطر القاسمي
شيخ رأس الخيمة.
٢- عبد الشيخ أحد شيوخ
العرب في جزيرة قشم.
– قام نادر شاه بإقصاء القائد العام تقي خان من منصبه فاستغلّ الثوار إقالة تقي خان وقاموا بقتل قائد البحرية وعدداً من ضباطه.
– استولى العرب على أربع سفن كانت في حوزتهم وأقلعوا بها إلى خور فكّان وجزيرة قيس.
– يقول القنصل البريطاني عن هذا التمرد: –
(إن مشروع نادر شاه بإنشاء أسطول حربي يتوقف على العرب، وذلك لجهل الفُرس بأمور البحر بسبب طبيعة بيئة الفرس الجبلية).
وهذا اعتراف صريح بأن العرب يملكون الإمارات العربية على الساحل الفارسي بأكمله وليس للفرس سيطرة على الساحل.
– طلب الفُرس من الهولنديين تزويدهم بسفينتين لمطاردة العرب وتمّ تلبية طلبهم.
– في ٢٨ أغسطس توجّه حاكم بندر عباس آغا باقر على رأس الأسطول الفارسي الذي أعُدّ بمساعدة الهولنديين لمهاجمة الثوار في جزيرة قشم.
– أخذت سفن الأسطول الفارسي بإطلاق نيران مدافعها بشكلٍ عشوائيّ على سفينة الثوار العرب ولكن تمكن الثوار من سحب سفينتهم إلى المياه الضحلة، ورغم كثافة النيران التي تطلقها عليهم السفن الهولندية إلا أنهم ظلوا عشرين يوماً يقاومون، ولم تجرؤ تلك السفن على ملاحقتهم.
– في ١٣ سبتمبر ١٧٤٠م عاد الأسطول الفارسي دون أن يحقق شيئاً، وفي نفس اليوم وصل إلى بندر عباس قائد البحرية الجديد محمود تقي خان الذي لا يملك أي خبرة بحرية نهائياً.
– حاول القائد الجديد الحصول على المساعدة الإنجليزية ولكن الوكيل البريطاني اعتذر فتوجه إلى الهولنديين، فزوّدوه بسفينتين من نوع غراب، كما زوّده الإنجليز بسفينة واحدة.
– في ٢٦ سبتمبر ١٧٤٠م أبحر الأسطول الفارسي المكوّن من سفينتين هولنديتين وسفينة إنجليزية وعشرين ترانكي لمهاجمة الشيخ رحمة القاسمي وبحّارته في جزيرة قيس، وعند اقتراب الأسطول الفارسي من الجزيرة كان العرب يراقبونه بدقة، وعند وصولهم قبالة الجزيرة فتح العرب عليهم نيران مدافعهم وتمكّنت إحدى الفرق الفدائية العربية من التسلق إلى إحدى السفن الهولندية ودارت بينهم وبين طاقم السفينة معركة بالسلاح الأبيض وقد ألحق المهاجمون خسائر كبيرة بطاقم السفينة، فحصل ارتباك وذعر شديد في الأسطول الفارسي فعاد خائباً في ١٢ أكتوبر ١٧٤٠م.
– تلقى الإنجليز والهولنديون رسالة تحذير من الإمام سيف بن سلطان الأول بأن سفنهم ووكالاتهم سوف تتعرض للهجوم في حال استمرارهم بتقديم المساعدات للفُرس، ومن هنا يتبين لنا عمق العلاقات الفارسية الغربية وتعاونهم ضد العرب بشكل دائم.
– فشِل الفرس في الحصول على أي مساعدة من هولندا أو بريطانيا بسبب تهديدات الإمام سيف للإنجليز والهولنديين.
– فرض العرب سيطرة شبه مطلقة على الخليج العربي وقطعوا الإمدادات عن الحاميات الفارسية في رأس الخيمة والبحرين بشكل شبه كلّي إلا عن طريق التهريب بالسفن الإنجليزية مع دفع الفُرس مبالغ كبيرة لذلك.
– أفزعت هذه التطورات نادر شاه، فأرسل إلى حاكم إقليم فارس بحشد قوة عسكرية قوامها ٦٠٠٠ رجل وجمع مبلغ وقدره ١٥٠٠٠ تومان لتغطية تكاليف الحملة.
– بعث نادر شاه طلباً إلى حاكم السند لتزويده بعشرين سفينة ووصلت المساعدة المطلوبة.
– تم إقصاء محمود تقي خان من منصبه كقائد للبحرية الفارسية وسجنه لفشله في حملاته ضد البحارة العرب.
– في الأول من أكتوبر عام ١٧٤١م وصل إلى بندر عباس إمام وردي خان قائد البحرية الفارسية الجديد الذي أبلغ أوامر مشددة من نادر شاه إلى الوكيلين الإنجليزي والهولندي يطالبهم بمساعدة الفرس بكل ما يمتلكون من قوة لاستعادة قطع الأسطول الفارسي من أيدي الثوار العرب.
– رفض الوكيلان طلب نادر شاه بالمساعدة، لذلك استولى الفرس على سفينتين هولنديتين، حيث تم إنزال بحارتهما بالقوة وصعدت مكانهم القوات الفارسية، وأبحر القائد الجديد مع قواته لمهاجمة جزيرة قيس وتم إنزال عدد ٥٠٠ فرد من القوات الفارسية على الجزيرة.
– أثناء إنزال القوات الفارسية داهمتهم سفن العرب وتبادل الجانبان إطلاق النار فأصيبت إحدى سفن البحارة العرب كما أصيب قائد القوات البحرية الفارسية أثناء الاشتباكات بجروح أدت إلى موته.
– أصيبت القوات المتبقية بالارتباك نتيجة مقتل قائدهم فانسحبوا إلى بندر عباس وتركوا خلفهم القوات التي تم إنزالها على الجزيرة ليلاقوا مصيرهم المحتوم.
– يقول لوريمر: –
(إن الفرس لم يتمكنوا من استرجاع قطع أسطولهم من أيدي المتمردين العرب على الإطلاق ).
السبب الثاني:-
٢- إعداد الأسطول الفارسي
– في صيف ١٧٤١م قرر نادر شاه تبني مشروع لصناعة السفن في بوشهر وذلك للأسباب التالية: –
١- سيعوضه عن السفن التي استولى عليها العرب.
٢- التخلص من مماطلة الشركات الإنجليزية والهولندية لبيعه السفن الحربية.
٣- توفير التكاليف.
ولكن المشروع فشل وذلك للأسباب التالية: –
١- ندرة الأخشاب الصالحة لصناعة السفن في المنطقة القريبة من بوشهر.
٢- إرتفاع تكاليف الأخشاب التي تجلب من غابات مازندران شمال بلاد فارس وتبعد عن بوشهر مسافة ٦٠٠ ميل.
٣- عدم توفر كوادر فارسية لصناعة السفن لانعدام خبرتهم في هذا المجال.
٤- عدم تعاون العرب والإنجليز والهولنديين مع الفرس.
٥- لجوء الفرس إلى نماذج غريبة وضخمة جداً لصناعة السفن لا يمكن أن تكون سفناً قوية البدن وصلبة.
– في النصف الأول من سنة ١٧٤٢م أمر نادر شاه بالإيقاف التام للمشروع ولجأ إلى وسائل مختلفة للحصول على سفن لأسطوله كالمصادرة والإجبار على البيع والشراء من سورات وكذلك عن طريق الهدايا التي تهدى إليه.
– في ١ يناير سنة ١٧٤٢م وصلت سفينتين مزودتين ب ١٤ مدفع لكل منها اشتراهما نادر شاه من سورات الهندية كما أهدى الإمام سيف بن سلطان الثاني إلى الفرس في فترة علاقته الودية معهم سفينتين من أسطوله كل واحدة منهما مسلحة ب ٦٤ مدفع.
– في بداية عام ١٧٤٢م أصبح لدى الفرس أسطولاً مكوناً من ١٥ سفينة كبيرة وعدداً آخر ذات أحجام مختلفة.
– أعيد تقي خان إلى وظيفته السابقة حاكماً لإقليم فارس وقائداً للقوات البرية والبحرية.
تجدُّد مشكلة الخلافات على الإمامة في عمان:
– في ١٥ فبراير ١٧٤٢م اجتمع العلماء وشيوخ القبائل في جامع مدينة نخل وقرروا خلع سيف من الإمامة وتعيين سلطان بن مرشد إماماً على عمان بدلاً عنه لِما لمسوه من سلوك لا يتناسب مع منصبه.
– يحظى الإمام الجديد بتأييد طرفَي التجمّع القبَلي الغافري والهناوي وبايعته معظم القبائل العمانية.
– توجّه الإمام سلطان بن مرشد إلى الرستاق التي فرّ منها سيف إلى مسقط وقام باستنفار القبائل الموالية له وشنّ هجوماً على بركاء، ولكن فاجأتهم هناك قوات الإمام سلطان بقيادة سيف بن مهنا فشتّتهم، فعاد سيف إلى مسقط دون أن يحقّق أيّ نتيجة.
– سيطرت قوات الإمام الجديد على مسقط فلم يبقَ في يد سيف إلا حصنَي الجلالي والميراني فقط، كما سيطرت قوات الإمام سلطان بن مرشد على مطرح كذلك، وعيّن عليها والٍ من أنصاره يٌدعى سيف بن حِميَر، الذي اتّخذ بعض الإصلاحات الاقتصادية.
وقامت قوات الهولة بالسيطرة على خصب ومسندم باسم الإمام سلطان بن مرشد.
وبسبب هذه الأوضاع الخطرة لجأ سيف بن سلطان الثاني إلى الفرس مرةً أخرى، وقد تعددت الروايات حول كيفية اتّصاله بالفرس، ولكن ما يهمنا هنا بأن هذا الرجل لم يتّعظ بما حلّ به في المرتين السابقتين، ولجأ لأعداء وطنه مرّةً أخرى.
– كان الفرس مستعدين لغزو عمان ولكنهم ينتظرون الفرصة المناسبة ووجدوها في طلب سيف المساعدة منهم.
مقالنا القادم إن شاء الله تعالى سوف يكون عن بدء العمليات الحربية والاجتياح الفارسي لعمان.
المصدر: –
– عمان وسياسة نادر شاه التوسعية.
المؤلف: –
عدنان الزبيدي