2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

رحلتي إلى زنجبار ،، بصمة النسيج العُماني(1)

خلفان بن ناصر الرواحي

لقد شاء الله أن يسر لنا السبل لزيارة زنجبار وللمرة الثالثة، ولكن هذه المرة زيارتي كان وقتها أطول عن سابقاتها، فقد كانت هذه الزيارة في نهاية شهر مايو وشهر يونيو عام ٢٠٢٢م، والغرض من هذه الزيارات هي لصلة الرحم والتعرف على هذا البلد المعروف بقوة جذوره التاريخية والأسرية مع وطننا العزيز سلطنة عُمان، وهنا لست بصدد ذكر ذلك التاريخ، ولا لتلك الأحداث التي قلبت الموازين، فمن أراد التعرف عليها فليرجع لكتب التاريخ والمختصين في هذا الشأن، سواء كان من العمانيين أو لغيرهم ممن كتبوا وبحثوا في هذا المجال، وسوف أحاول أن أتطرق في سلسلة من المقالات عن هذه الزيارة في استخلاص العبر من السفر في عدة جوانب، وأعطي نبذة مختصرة في إحداها عن هذا الأمر.

أدى وجود العرب والمسلمين من سلطنة عمان وبلاد فارس والهند إلى ازدهار الجزيرة في العقبة الماضية، وجعلها ميناء للتجارة بأنواع مختلفة من البضائع. كما تمتعت بعلاقات وثيقة مع الصين والهند وأوروبا، ويعتمد سكان زنجبار في حياتهم على ما يصطادون من البحر، وما يزرعون في حقولهم، وعلى ما يبيعونه في الأسواق.

ومع سحر الطبيعة التي حباها الله سبحانه وتعالى بهذه المنطقة، واعتدال الجو في هذه الفترة من شهر يونيو يمتزج معها بصمات اللباس العُماني، وبعض المظاهر الاجتماعية أيضًا. إن في مقالي هذا سوف أسلط الضوء على بعض البصمات الباقية من سيرة النسيج العُماني في التعامل السلوكي والثقافي والاجتماعي بين أفراد المجتمع في زنجبار، فما لمسته لهو دليل على قدرة العمانيين على التأثير وكسب القلوب، والتقبل من الآخرين في سبيل التعايش السلمي بين أفراد المجتمع، فقد وجدت النسخة العمانية طبق الأصل في ترابط أطياف المجتمع وخاصة في المساجد وذلك بأغلب الأماكن التي يعيش بها عددٌ من الأصول العمانية، فتجد المصلين كالبنيان المرصوص رغم اختلاف المذاهب والأصول والعرقيات المختلفة، يربطهم رباط الدين الواحد وعبادة الله وحده دون النظر إلى الطائفية والمذهبية والعرقية، وكذلك هو الحال في التعايش المجتمعي والتعاضد في الشدة والرخاء بين أفراد المجتمع في هذا البلد الأفريقي غير العربي، الذي كسب ذلك المنهج بتأثره بمنهجية الحقبة الزمنية المتوالية من الوجود العماني بشكل خاص والوجود العربي بشكل عام. وهذا هو المنهج الإسلامي والعربي والنسيج الواجب انتهاجه في سائر المجتمعات الإسلامية والعربية، والذي نتطلع أن يكون حاضرًا وخاصة في عصرنا الحاضر والمستقبل، فنحن بحاجة ماسة لذلك النسيج والترابط بين مختلف أفراد المجتمع جميعًا، وكذلك هو الحال بالنسبة بين الشعوب.

نعم، هذا هو الواقع الذي نعيشه في وطننا الغالي سلطنة عُمان، ويجب أن نحافظ عليه، وما لمسته وعايشته في زنجبار جعلني أتفاعل مع قلمي ليعبر عن تلك البصمة وديمومتها حتى يومنا هذا، وزادني يقينًا بأهمية الوجود العُماني الذي ما زال قائمًا حتى يومنا هذا رغم الأحداث التي حصلت من قبل الاستعمار الغربي لإنهاء الحكم العماني. فوجود جامع زنجبار على سبيل المثال، والذي بني على نفقة المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد-طيب الله ثراه-، ودور حكومتنا الرشيدة في الحفاظ والمساهمة في ترميم المعالم الأثرية والتاريخية بهذه البلاد، وتسهيل الأمور لمن بقي من الأصول العمانية التي فضلت البقاء والعيش هناك، وكذلك بالنسبة لدور جمعية الاستقامة العالمية؛ كان له الفضل والأثر لبقاء تلك اللحمة بين أفراد المجتمع المسلم المحافظ، وبقاء البصمة العمانية في التعامل والتعايش السلمي بين الجميع.

فهكذا هو الواقع الذي استخلصته من وجهة نظري، فالبرغم أن هذه المنطقة لم تصبح تابعة للدولة العمانية، فإنّ وجود الأثر المتأصل ما زال باقيًا حتى يومنا هذا، وبلا شك كلنا متفقون على أن الوطن يبقى لأهله مهما كانت الظروف، ولكن البصمة العمانية ما زالت موجودة وباقية، وما زالت القيادة المحلية لزنجبار محافظة على ذلك الترابط.

وخلاصة القول؛ يجب أن تكون الرسالة من قبل كل عُماني لديه الشعور بالانتماء لوطنه ويعتز بهويته بأن يكون محافظًا على تلك البصمة أين ما وجد وحط رحاله، فنحن عمانيون حيث ما نكون، رسالتنا المحبة والسلام، ونبذ الفرقة والخلافات التي تشتت شمل الأمة عبر العصور؛ فلنتمسك بهذه المنهجية العظيمة لننشر ثقافة التسامح والاعتدال والتعايش بما يحافظ على كرامة الدين، والأصالة الوطنية والإنسانية والاجتماعية والثقافية، ونستشعر بصمة دور سلطنة عُمان في التاريخ الإنساني.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights