أبناؤنا والصلاة
عبدالله بن حمدان الفارسي
نتعلم ونُعلم من يهمنا أمره وكل من نأمل فيه الخير لنا ولنفسه ولوطنه ولأمته، وهذا هو نهج معلم البشرية سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، وما أوصانا به ديننا الحنيف هو طلب العلم والاجتهاد عليه، فالعلم فريضة على كل مسلم والسعي إليه غاية يؤجر عليها، أمرٌ لا خلاف عليه بين كل ذي عقل حصيف، فإن من أولويات وواجبات ولي الأمر المسلم، غرس المبادئ الإسلامية، ومكارم الأخلاق، وحسن السلوك لدى أبنائه، خاصة فيما يتعلق بالعقيدة الإسلامية السمحاء، وذلك بالطرق والأساليب التي تتناسب وأعمارهم، مع الأخذ في الاعتبار تجنب حشو كل معلومة في أذهانهم مرة واحدة، وإن كانت صائبة وسليمة بحجة التعليم المبكر، أو تماشيًا وتطبيقًا للقول المأثور: “العلم في الصغر كالنقش على الحجر”، فهذا قولٌ يجانبه الصواب لدرجة كبيرة، ولكن ليس مع كل المراحل، فلكل فئة عمرية المساحة والسعة الاستيعابية لتلقي ما هو ملائم لها وموائم، وأيضًا وإنْ توافقت الأعمار يبقى الاختلاف في المدارك الذهنية، وإلا فإن طريقة الحشو العشوائي لكل ما نظنه مفيدا حتما ستكون لها نتائج سلبية، وعواقب وخيمة على مدى الأيام والسنوات، فقد يكون تدميرًا لخلايا المخ لتلك الفئة العمرية دون سواها، وتشتيت ذهن الطفل نظرًا لتراكم المعلومات بطرق غير مسئولة، كذلك علينا أن لا نتغافل عن الاختلاف النوعي، والاستيعاب، والقدرة على امتصاص وتخزين المعلومة من طفل لآخر؛ لذلك من الضرورة بمكان أن نتفهم أولًا قدرات فلذات أكبادنا وإمكانياتهم، وتتبع مداركهم ورصدها، والكيفية التي تمكننا من تثبيت الاحتياجات المناسبة لفئاتهم العمرية وترسيخها، وأن لا نضغط على ذاكرة الطفل بتفريغ كل ما اكتسبناه طوال سنين، أيضًا الابتعاد عن المقارنة مع من هم في عمره، فنحن كوننا بشرا لم نُخلق على سجايا وطباع واحدة ومتشابهة، والغاية من الإسهاب فيما ذكرت، هو أن ألفت انتباه بعض أولياء الأمور الذين يصطحبون أطفالهم إلى بيوت الله؛ بهدف التعلم والتعود على ارتيادها، للتفقَّه في كيفية أداء الصلاة والأمور الدينية الأخرى، هذا أمر محمود، وتصرف مرغوب، ولكن إنْ كان ذلك سببًا في إيذاء المصلين، والتشويش عليهم أثناء أداء صلاتهم من جراء الأفعال، والأصوات، والحركات، والإيماءات الصادرة من طفلك هنا أكون على خلاف واختلاف معك، فبعض الأطفال لا تسمح لهم أعمارهم، ولا تدرك عقولهم أهمية الصلاة وأركانها، ومنها الخشوع بقدر الإمكان أثناء أدائها، وليس لديهم حس المسئولية تجاه المساجد وحرمتها، وأيضًا من الآباء من يرتكب حماقة بجعل طفله ينافس الكبار في الصفوف باحتلال صفوف المقدمة، وكثيرٌ ما صادفنا من تجارب، ومواقف، وحوادث، نشبتْ على إثرها مشادات داخل المسجد، سببها تصرفات بعض الأطفال، والتي ترجع أولويات أسبابها لولي الأمر.
أخي ولي الأمر نحن معك جملة وتفصيلًا في هديك وإصلاحك لابنك بتعليمه أمور دينه وأصوله، ولكن لربما مداركه العقلية أو فئته العمرية لا تسعفه لاستنباط واختزان ما تريد له من صلاح، فلا تستعجل على ذلك، وتكون سببًا مباشرًا في ارتكاب ذنب لا تقصده من خلال التشويش على المصلين، وانتهاك حرمة بيت الله من خلال التصرفات الصبيانية لطفلك، والخوض في معترك لفظي مع الآخرين، هذا إنْ كان للعقل حضورًا في تلك اللحظة، وربما يتعدى الأمر لأبعد من ذلك، لا مانع من اصطحاب أولادنا للمساجد للغاية النبيلة التي ينشدها الجميع، ولكن قبل اصطحابه إلى بيوت الله علينا الجلوس معه لأكثر من مرة؛ لنغرس فيه السلوكيات الواجبة التي تُمارس في المساجد قبل شعائر الصلاة وآدابها، ومتى استشعرنا فيه الانضباط النسبي الذي يمكّنه من السيطرة على أفعاله، وقتها نجيز له مرافقتنا إلى المسجد دون الإغفال عن مراقبته وتوجيهه. وفي حالة عجزه عن ضبط سلوكه، نستخدم معه أساليب تأديبية توعوية توجيهية بمنعه من الذهاب إلى المسجد كنوع من العقاب الإرشادي والتوعوي؛ حتى يدرك تدريجيًا مفاهيم حرمات بيوت الله، واحترام قدسيتها، وتقدير مرتاديها، والالتزام بقدر المستطاع بتأدية الصلاة على النحو والسلوك المستحب كما ينبغي، وتقيدًا بالسنة النبوية عنه صلى الله عليه وسلم، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عَشْر، وفرقوا بينهم في المضاجع))؛ رواه أحمد وأبو داود. هذا الأمر على الصلاة من سن السابعة فما بال من يصطحب طفلًا للمسجد عمره أقل من ذلك. كذلك ومن السلوكيات والآداب التي أمرنا عليها -عليه أفضل الصلاة والسلام- تجنب الذهاب للمساجد بعد تناولنا بعض الخضروات الحلال، كالبصل والثوم، أو إخراج من أكل منها -المساجد- فعن جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ ﷺ: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزلْنَا أَوْ: فَلْيَعْتَزلْ مَسْجدَنَا)- متفقٌ عليه. فكل تصرف يقوم به طفلك بمثابة الإيذاء للمصلين والملائكة، ومن منطلق ما ذكر أعلاه يتبين لنا جلياً مدى أهمية الانضباط والتقيد بتطبيق السنن النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.